No Script

العقار يمرض ولا يموت

تصغير
تكبير

لم أجد أفضل من تلك المقولة «العقار يمرض ولا يموت» لأستهلّ بها مقالي في مسألة الركود العقاري التي نالت نصيباً كبيراً من الجدل والنقاشات المستفيضة بين خبراء العقار ومسؤولي الشركات العقارية في القطاع الخاص، بالإضافة للمهتمين بالشأن العقاري من أصحاب الكاش الراغبين بالدخول في استثمارات آمنة خلال السنوات القليلة الماضية.
فعبارة «العقار يمرض ولا يموت» قديمة متجدّدة تثبتها الأرقام وتؤكدها الأحداث يوماً بعد آخر، فعلى الرغم من التهديدات الجيوسياسية التي عاشتها منطقة الخليج على وقع التهديدات «الأميركية - الإيرانية» المتبادلة خلال الشهرين الماضيين واشتعال وتيرة الحرب التجارية «الأميركية - الصينية» وتأثر منطقة الخليج بها كون الولايات المتحدة والصين من أكبر الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي، أثبت القطاع العقاري أنه الأكثر قدرة على استيعاب الصدمات وامتصاص تداعياتها، فقد حققت مبيعات القطاع العقاري في الربع الأول من العام الحالي نمواً قدره 4 في المئة، حيث بلغ إجمالي التداولات العقارية 865 مليون دينار، وهو رقم يقل - وفق تقارير عقارية متخصصة - عمّا تم تحقيقه في الربع الأخير من عام 2018 بنسبة 26 في المئة، إلا أنه يظل من بين الأرقام الأعلى في الثلاث سنوات الأخيرة.
وخلاصة الأرقام، أن العقار يظلّ الأكثر صموداً في مواجهة تداعيات الأزمات الإقليمية والعالمية المؤثرة في بيئة الأعمال الكويتية التي تراوح استثماراتها مكانها بين رافدين رئيسيين هما: سوقا الأسهم والعقار، كما أنه الأكثر أماناً مقارنة بسوق الأسهم، كما أن عوائده لا تزال الأعلى مقارنة بسعر الفائدة على الودائع في البنوك المحلية.
وحتى هنا، فكلامنا لا يختلف عليه اثنان، إلا أن السياسات الحكومية تجاه الوافدين الذين يمثلون المحرك الرئيسي للعقار الاستثماري قد أثرت بشكل نسبي على تداولات هذا القطاع، وهو ما يستلزم العمل على ضرورة تصحيح مسار هذا القطاع عبر سياسات حكومية أكثر انفتاحاً وعقلانية تجاه تلك الشريحة التي بدأت دول خليجية باستثمار قدراتها وإمكاناتها المادية من خلال حوافز تشجيعية منها الإقامة الدائمة أو البطاقة الذهبية، وهي حوافز نادى بها القطاع الخاص في الكويت منذ زمن طويل لتشجيع الوافدين على التملك واستغلال مدخراتهم وتوظيفها داخل الاقتصاد المحلي.
ومن بين الأمور الأخرى التي تحتاج لإعادة نظر وتأمل، ما يتعلق بالرهونات العقارية لدى البنوك المحلية والتي باتت قنبلة موقوتة قد تصيب القطاع العقاري بأزمة حادة تطيح بكل مكاسبه خلال السنوات الثلاث الماضية التي تم تحقيقها، فوفقاً لما يتم تداوله من أرقام هناك 80 في المئة من عقارات الكويت مرهونة لدى البنوك المحلية، وهذه الرهونات تزيد مخصصاتها لدى البنوك المحلية مع تراجع الأسعار، مع زيادة المخصصات المطلوب توافرها من قبل الجهات الرقابية ممثلة في بنك الكويت المركزي، مع مطالبة المعايير الرقابية الدولية وعلى رأسها قواعد «بازل» التي تتطلب ضرورة التخلص من العقارات لديها وهو ما يجبر البنوك على تسييل العقارات لديها، ما يعني زيادة العرض بشكل كبير، وبالتالي تراجع الأسعار بشكل مبالغ فيها وهو أحد السيناريوهات المستقبلية التي يراها متخصصون كارثة على القطاع العقاري وتحتاج لعلاج حاسم من قبل المعنيين.
وفي الجانب الآخر، لا يزال قطاع العقار أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، مع الإصرار الحكومي المتواصل منذ عام 2014 على تنفيذ خططها التنموية المليارية بغض النظر عن انخفاضات أسعار النفط وهي مشاريع مليارية أسهمت وبنصيب كبير في انتعاش صناعة مواد البناء في الكويت ودفعت إلى تشغيل مزيد من الأيادي العاملة التي كانت وقوداً لانتعاش قطاع التجزئة في كافة المجالات.
وبالإضافة إلى تنفيذ خطط الكويت التنموية، تحرص حكومة الكويت على تنفيذ مشاريع «كويت جديدة 2035» التي تستهدف في مجملها تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي وعالمي قادر على استيعاب صدمات تراجع أسعار النفط وخلق آلاف الوظائف لأبناء الكويت في التخصصات المختلفة مع توافر حياة كريمة للأجيال القادمة.
وعن المطلوب من الحكومة، لتحريك المياه الراكدة وتجديد الدماء في شرايين القطاع العقاري القفز على الواقع بحلول غير تقليدية من خلال إصدار تشريعات لتملك الوافدين واستغلال المليارات التي تخرج سنوياً في صورة تحويلات، والتي يمكن توظيفها داخل الاقتصاد، والاستفادة من تجربة دولتي الإمارات والسعودية في رفع وتيرة التداولات العقارية من خلال حوافز الإقامة الدائمة أو البطاقة الذهبية والتي تم العمل بهما أخيراً في كل منهما، وإحياء شركة المقاصة العقارية والتي عبرت، من وجهة نظري، عن تطلعات الكثير من العقاريين في ضبط إيقاع السوق وزيادة وتيرة الصفقات وتحقيق العدالة والشفافية للسوق العقاري، وهي تجربة كانت رائدة وبناءة خليجياً، كما أن الحكومة مطالبة بإعادة النظر في نسبة مساهمة شركات القطاع الخاص العقاري العاملة في السوق وإعطائها الأولوية في مناقصاتها التنموية العملاقة وتفضيلها على الشركات الأجنبية كونها أحد المصادر الرئيسية في تحقيق الانتعاش الاقتصادي المطلوب وباعتبارها تقود ثورة النمو في صناعة مواد البناء وأخيراً تحتاج الحكومة لسياسات غير تقليدية قادرة على إعادة الطيور المهاجرة إلى وطنها والعمل به عبر سياسات تحفيزية قادرة على منافسة المحفزات التي يجدها المستثمر العقاري في الخارج وانتهاج سياسة الأبواب المفتوحة مع أبنائها لتشجيعهم على العمل والعودة لأحضان الوطن، وهو ما سينعكس إيجاباً على القطاع العقاري من ناحية وعلى الأداء الاقتصادي بشكل عام.
وخلاصة ما أرمي إليه من مقالي هذا، هو أن القطاع العقاري قد يصاب ببعض العوارض «الموقتة» البسيطة، كتراجع وتيرة تداولات «الاستثماري» أو البطء في تداولاته «التجاري»، إلا أنه يبقى القطاع القادر على جذب المدخرات وتوظيفها بعوائد مجزية وبمخاطر في حكم «المعدومة» كما سيظل العقار وقوداً للنمو ودافعاً رئيسياً للباحثين عن فرص استثمارية أفضل على المدى البعيد.

* باحث في الشأن العقاري

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي