No Script

أصبوحة

الخراب الجميل

تصغير
تكبير

كيف نفهم مقولة ملتبسة مثل «الخراب الجميل»؟ هل يوجد خراب جميل؟ أو كيف يصور القبح بصورة جميلة، نحن نفهم أن القبح والخراب شيئان متناقضان مع الجمال والتناسق، فهما من الأشياء التي تريح العين، وتنعكس إيجابياً على الفكر والشعور.
ولكن باستطاعة الفنان إقناعنا بجمال الخراب والقبح من زاوية رؤيته الفنية، سواء على قماش اللوحة الزيتية أو على خشبة المسرح أو على الورق، بحيث يعكس النص أو الإخراج أو اللوحة التشكيلية، قدرة هائلة وشحنة حسية وشعورية، من خلال حبنا لما نراه أو نسمعه.
وقد نجح الفنان التشكيلي بيكاسو، بتصوير بشاعة الحرب والموت والدمار، بطريقة رائعة أدت إلى خلود لوحة «انتصار غرينيكا»، ولهذه اللوحة التي رسخت في أذهان شعوب العالم والأجيال المتتالية، كأفضل لوحة أو من أفضل اللوحات في القرن العشرين، وعكست القيمة الاجتماعية والإنسانية للفن بجدارة.
كما استطاع شكسبير أن يصور أجمل مجرم في التاريخ الأدبي، وهو «ماكبث» في مسرحيته الخالدة «ماكبث»، التي تدور حول شخصية رجل أصبح ملكاً ثم دكتاتوراً، بسبب الإيحاء الذي وصله من الساحرات الثلاث، من أنه سيصبح ملكاً وأن من يقتله لن تلده أمه، وبسبب هذا الإيحاء تحوّل إلى أكثر الطغاة في عصره، ولكن «ماكدف» كسر هذا الإيحاء الذي منح ماكبث قوة خارقة، عندما قال له: «أنا لم تلدني أمي، ولكن أُنتزعت من بطنها انتزاعاً»، فبالإيحاء المضاد تضعضعت قوة ماكبث، وقتله ماكدف بكل سهولة، وبذا مات أجمل مجرم في التاريخ، وهنا يشعر القارئ أو المشاهد بالأسى، على شخص يعرف بكل يقين أنه مجرم.
ولا أحد ينكر غرائبية وبشاعة لوحات السريالي «سلفادور دالي»، ولكن من منا لا يعرفه أو يعرف لوحاته، ويراها متميزة واستثنائية، فالعقل البشري مثلاً لا يستوعب ساعة مائعة، أو منشورة على حبل غسيل، ولكنه يقبلها ويعتبرها جمالاً بغض النظر، فدالي لم يعتبر فناناً عالمياً خالداً بأعماله، لأنه يصور الواقع كما هو، بل لأنه يصوره بطريقة شاذة تنافي المنطق.
كما لا شك بأن أوسكار وايلد، عكس من خلال مسرحيته «سالومي»، التي تحكي عن الأسطورة العبرانية وشخصية سالومي، التي تسببت بقطع رأس يوحنا المعمدان، فقط لأنه لم يستجب لإغراءاتها ودعوتها له للرذيلة، قد عكس بذلك الشر المستطير، فالقصة تثير الاشمئزاز والحنق، ولكن متابعتها قراءة أو تمثيلاً على خشبة المسرح، تشكل إلزاماً قهرياً للمتابع.
الآن لماذا يصور الفنانون والكتاب البشاعة بطريقة جميلة؟ فهم بالتأكيد لا يريدون تجميل الشر أو القتل أو البشاعة والقبح لنا، ولكن كل هذه الأشكال من الفنون، هي نوع من الاحتجاج والرفض، للحروب والشر والقتل والدمار، وكل المدارس الفنية الحديثة، ظهرت احتجاجاً ورفضاً للشر وعلى عقولنا فهم هذه المعادلة.
والسؤال الأخير: من منا لم يعجب بشخصية «سي السيد»؟

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي