No Script

نظرة فاحصة

الدعم الخليجي للاقتصاد التركي قد يكون مطلوباً لدرء أي مخاطر!

No Image
تصغير
تكبير

شهدت تركيا خلال العقدين الماضيين، نمواً ملحوظاً في البنية التحتية، وفي مكونات الاقتصاد، أدى إلى جذب استثمارات العديد من الدول.
وأدت تلك النقلة النوعية إلى ارتفاع مساهمة قطاع السياحة، والصناعة، والخدمات، والزراعة، والعقار، في الناتج المحلي الإجمالي التركي، وهي إنجازات بلا شك كانت على وشك أن تجعلها في مصاف الدول الأوروبية تقريباً.
إلا أن هذا لم يستمر، فخلال السنوات الثلاث الماضية بدأ الاقتصاد التركي، يشهد بوادر أزمة لاحت في الأفق مع بداية عام 2016، بحيث أشارت المؤشرات الاقتصادية الواردة في تقرير خبراء صندوق النقد الدولي، إلى أن معدل النمو الحقيقي للناتج الإجمالي المحلي في تركيا (Real GDP growth rate) تراجع بشكل ملحوظ عام 2016 إلى نحو 3.2 في المئة، قبل أن يتعافى عام 2017 بفضل الجهود الحكومية إلى نحو 7 في المئة.


أما توقعات الخبراء لعام 2018، فإنه سيتراجع ذلك النمو إلى نحو 3 في المئة فقط، أو اقل من ذلك، بحيث يعاني الاقتصاد التركي من عدد من الاختلالات الهيكلية، وأهمها ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ قبل الأزمة الأخيرة نحو 12 في المئة، وارتفاع العجز في الحساب الجاري الذي يبلغ نحو (-5.5 في المئة)، من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
وزاد عجز الموازنة الحكومية نتيجة اتباع الحكومة لسياسة مالية توسعية، إذ تم تخفيض الضرائب وزيادة حجم الدعم للرواتب والأجور، وارتفاع الديون الخارجية وخدمتها إلى أرقام قياسية جديدة.
وللمحافظة على معدلات النمو المنشودة، فإن الاقتصاد التركي يحتاج إلى سياسات اقتصادية فعالة على مستوى الاقتصاد الكلي، بوضع حلول سريعة للاختلالات الهيكلية فيه، وإعادة التوازن لمكوناته الأساسية، وخصوصاً على صعيد عجز الموازنة والحساب الجاري، وإلى سياسة نقدية تكون مستقلة بالقرار، وبعيدة عن أصحاب القرار السياسي.
وعلى الرغم من أن القطاع المصرفي ما زال قوياً في الوضع الراهن، فإن دعم الاقتصاد التركي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، قد يكون مطلوباً لدرء أي مخاطر قد تنتقل إلى مؤسسات ومستثمري تلك الدول في تركيا، وخصوصاً وأن هناك تمويلات كبيرة لمشاريع تركية، سواء من خلال مساهمة المؤسسات الخليجية المباشرة، أو من خلال شراء الصكوك والسندات بالدولار، التي تعاني تركياً حالياً من ارتفاع سعره مقابل الليرة.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى العوامل الأساسية التي تؤثر على سعر صرف العملة التركية، وهي ظاهرة موجودة في الاقتصاد التركي حالياً، ومنها على سبيل المثال ارتفاع معدل التضخم إلى 12 في المئة، وهو مستمر في الصعود.
ويتطلب هذا الأمر رفع سعر الفائدة، وهو كما يبدو غير محبذ من قبل السياسيين في تركيا، إذ إن معدلات الفائدة والتضخم و»الفوركس» مترابطة مع بعضها البعض، كما أن العامل المهم الاخر هو وضع الحساب الجاري في ميزان المدفوعات، الذي يعكس إجمالي الصادرات والواردات، ويعكس العجز فيه ارتفاع واردات تركيا مقابل صادراتها.
وسيسهم فرض الضرائب على صادرت تركيا إلى أميركا، وارتفاع أسعار النفط في جانب إيراداتها، في ازدياد العجز في الحساب الجاري، وهو العامل الذي ساهم بالإضافة إلى مخاوف السوق من عدم استقلالية البنك المركزي في زيادة التوقعات في انهيار العملة التركية، والتوجه إلى بيعها بأسعار متدنية، مقابل الاحتفاظ بالدولار، وهي ظاهرة ستستمر في حال عدم تدخل البنك المركزي للحدّ من هذا التدهور.
كما أن ارتفاع مديونية المؤسسات الحكومية للخارج، أصبح عائقاً لجذب الاستثمارات الأجنبية، وقد يؤدي إلى بيع المستثمرين الأجانب للصكوك والسندات، وسيسهم ذلك في رفع معدلات التضخم، وبالتأثير سلباً على سعر الليرة التركية.
وقد تسهم السياسات المطلوب اتخاذها حالياً في إيقاف استمرار تراجع الليرة بصورة موقتة، وليس بالضرورة إعادتها إلى سابق عهدها، إذ إن ذلك يتطلب وقتاً زمنياً، ويعتمد أيضاً على مستقبل العلاقات الأميركية - التركية، إذ قد يتسبب فرض المزيد من العقوبات الأميركية في المزيد من المصاعب لتعافي الاقتصاد التركي، لأن معظم وارداتها ومعاملاتها الخارجية تتم بالدولار.
أما موضوع الاكتفاء الذاتي، فهو مشوار طويل ومتعب، إذ يحتاج علاج تدهور الليرة، إلى برنامج اقتصادي له كلفة كبيرة على الأتراك.
وما طرح حتى الآن من اقتراحات لمعالجة الوضع الاقتصادي التي تمر به تركيا، باستثناء الإجراءات التي قام بها البنك المركزي في توفير السيولة ودعم الليرة، لا يخرج عن كونه خطوطاً عامة لبرنامج إصلاح، ولبدائل مقترحة في الدخول في كيانات اقتصادية جديدة، واستخدام الليرة أو اليورو في التبادل التجاري وفي معاملات الدفع.
وتحتاج هذه الإجراءات إلى فترة زمنية طويلة نسبياً حتى نتعرف على فعاليتها في الاقتصاد التركي، الذي يعاني من وعكة صحية إن جاز التعبير، تحتاج إلى الترقب والانتظار.

* باحث اقتصادي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي