No Script

«بوسطة الجاهلية» و«حزب الله»

تصغير
تكبير

عرف عن زمن الجاهلية عند العرب - أو على الأقل هكذا روّج عنها - انتشار عادات سيئة، منها الأخذ بالثأر والغزو ووأد البنات والعصبية القبلية... صفات طغت على العديد من الصفات الحميدة الموجودة آنذاك واكسبت تلك الحقبة الصيت السيئ.
أمّا في لبنان، فإن الجاهلية القرية الشوفية في جبل لبنان الرابضة في الوادي بين الطبيعة الخلابة، اكتسبت ظلماً صيتها كمسقط رأس وئام وهاب، السياسي اللبناني الفظ وسليط اللسان الموالي لنظام بشار الأسد والمغالي لإيران، ومن بقايا نظام الوصاية السورية على لبنان.
فلسان وهاب ومسرحياته السياسية - كما هو حال العديد من الأبواق الأخرى - هي مجرد صندوق بريد يستعمله كل من بشار الأسد و«حزب الله» لتوصيل رسائل تهديد إلى خصومهم السياسيين، وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري والزعيم وليد جنبلاط.


فأحداث الأسبوع المنصرم من مسيرات سيارة لمناصري وهاب لاستفزاز جنبلاط وأنصاره وأحداث الجاهلية، أودت بحياة أحد مرافقي وهاب بعد إشكال مع القوى الأمنية التي حضرت إلى منزل وهاب بعد رفض الأخير الأمتثال لمذكرة قضائية. كما أنّها كلها تشير إلى رسالة سورية واضحة ونية لتصفية الحسابات والانتقام من جنبلاط والدروز وإضعاف وتقويض الحريري.
في حين يخطط «حزب الله» لفرض تشكيلته الحكومية وانتزاع تسوية في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية وطرق تفاديها، يطمح الأسد وعصابته للانتقام من جنبلاط الذي ساهم مع رفيق الحريري والبطريرك صفير بطرد الأسد من لبنان. الحقد على جنبلاط يتجاوز تلك المسألة أيضاً، كون الأخير وقف في شكل واضح ضد آلة القتل في سورية ودَعَم مطالب الثورة المحقة بالعيش الكريم والحرية المطلقة.
أمّا خطيئة جنبلاط الكبرى، حسب الاسد، كانت إقناع دروز سورية بعدم الانجرار وراء مشروع الأسد الأقلوي وحملهم السلاح لخدمة نظام الأسد ـ موقف أكسبهم مجزرة قامت بها «داعش» لحساب بشار في الصيف المنصرم، وأدت إلى مقتل المئات من الأبرياء وأسر عدد من أهالي السويداء، تم إطلاقهم بعد وساطة بين الروس وجنبلاط، الذي أزال العقبات مع رجال الكرامة الرافضين للتطبيع مع نظام الأسد.
ليس من الصدفة أن تبدأ الحملة على جنبلاط بعد تحرير رهائن السويداء وتصريحه بضرورة الرضوخ لواقع أن لبنان أسير المعادلة السورية - الإيرانية التي تتحكم بالبلد. اعتراف جنبلاط بالاحتلال الإيراني للبنان يزعج «حزب الله» ويمنعه من الاستمرار بالتمترس خلف مؤسساته المتآكلة، هو الذي يريد من الضحية أن تتحمل التعذيب والقهر وأن تبتسم أمام العامة لا سيما المجتمع الدولي.
المقلق في عراضة وئام وهاب «الشامية» أنها تحظى بتغطية وسائل الإعلام المحلية كافة، وتعطيه منبراً لإهانة الناس والحرمات تحت ذريعة مكافحة الفساد ووقف هدر المال العام. فوهاب وزير عهد لحود، يحاضر بالعفة كي ينال بالسياسة من جنبلاط والحريري. وأي وهم بأنّ تلك الأبواق المساندة للحزب وسورية تكترث بالوضع الاقتصادي والمعيشي، شبيه بالوهم بأن إيران تريد فعلاً تحرير القدس وفلسطين.
يعتقد العديد من اللبنانين بأن النظام السوري و«حزب الله» قد يترددان عن دفع وهاب للقيام بخطواته الفتنوية على أساس أن أصابع الاتهام ستوجه لهما بشكل واضح، ولكن تلك الأنظمة تستعمل تلك الأساليب الفاضحة بالذات لتهديد وإخضاع وحتى قتل خصومها ليكونوا عبرة للجميع. ليس من باب الصدفة أن الرئيس ميشال عون، حليف «حزب الله» وسورية، لم يبادر الى استنكار هجاء وهاب لحليفه الحريري، والفتنة المذهبية لتبعات تعرضه لرفيق الحريري، كون عون قد صنع مجده بعد مقتل الحريري من مهاجمة الحريرية السياسية واتهامه بالفساد والعمالة.
الإشكال الفعلي ليس بوهاب وأمثاله من شعراء الجاهلية الصعاليك المستعدين لبيع كرامتهم من أجل حفنة من الفضة، بل المشكلة هي أن معظم اللبنانيين يعتقدون بأن مهادنة نظام الأسد ودولة «حزب الله» قد تفضي إلى نتيجة محمودة. الرسالة الوحيدة من جاهلية وهاب هي أنّ الحزب غير مضطر لاستعمال قمصانه السود وميليشياته كما فعل في السابع من مايو، وأن وهاب هو بمثابة المقبلات لوجبة أكبر وبأنه يكفي لـ «حزب الله» ونظام الأسد أن إطلاق السفهاء من أشباله للتذكير بأن دماء الأبرياء من الدروز والسنة وكل اللبنانيين هي مجرد سلعة لا أكثر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي