No Script

ألوان

مجتمع استهلاكي

No Image
تصغير
تكبير

منذ أن كنت مراهقاً وبدأت في الانتباه الى حولي وأنا أسمع أنه يجب علينا عدم الاعتماد على النفط فقط في الاقتصاد الكويتي، إلا أنني لم أرَ أي تحرك في هذا الاتجاه من قبل مؤسسات الدولة إلا صندوق الأجيال المقبلة، وهو خطوة رائعة لكنها حتما ليست كافية، الأمر الذي يرجعنا إلى المربع الأول.
وبالنسبة لمجتمعنا - خصوصاً فئة الشباب - فإنهم باتوا جيلاً بعد جيل، ونحن نراهم يركزون على المنتجات الاستهلاكية بدءاً بالملابس الغربية مروراً بالتقنية الحديثة، من هواتف ذكية، وانتهاء بأمور سطحية من دون الالتفات إلى مثلبها.
والأدهى من ذلك أننا بتنا نرى أمراً خطيراً وهو أن هؤلاء الشباب كبروا وتقلدوا مناصب مهمة، وما زال الكثير منهم يهتم بأمور تافهة تميل إلى اقتناء القطع الاستهلاكية، التي يعتقد أنها من سمات الحياة المعاصرة، بينما نجد أن هناك بوناً كبيراً بين فئة الشباب والنهج الثقافي إلا حالات استثنائية قليلة، وهو أمر قد يبدو للبعض أنه عادي بيد أنه يشير إلى كارثة في التعليم وفي ثقافة المجتمع.
وكوني رساماً فإني أعرف أكثر من اسم لفنانين تشكيليين لا يعرفون المدارس الفنية ولا رموز الحركة التشكيلية أمثال معجب الدوسري وأيوب حسين وعبدالله القصار وبدر القطامي، إلا معلومات سطحية يعرفها غير المتابع للحركة التشكيلية، وهو أمر مؤسف ولكن ما يدفع إلى الحزن أن بعض هؤلاء الفنانين باتوا يحصلون على عضوية لجان، تعمل على تقييم أعمال فنانين مارسوا الفن قبل أن يولدوا!
وأعرف روائياً كويتياً يقول في لقاء معه - قبل سنوات - إنه لا يحب الكاتب نجيب محفوظ وهو أمر عادي أتقبله بيد أني التقيت بكاتب آخر يعترف أنه لا يقرأ لأي روائي كويتي، ويتشدق بأنه يقرأ باللغة الانكليزية الكثير من الروايات العالمية، فنصحته بأن قراءة الروايات العالمية شيء جميل، لكن عليه أن يطلع على الرواية الكويتية والخليجية والعربية ولا يشترط أن يعجب بها.
وأعرف شاعراً شاباً كل معلوماته عن الشاعر أحمد العدواني أنه كتب النشيد الوطني، فماذا ترك لبقية الشباب غير الشعراء؟!
وأعرف صحافياً سابقاً يحمل الماجستير في المسرح من إحدى جامعات الدول العربية، وهو لا علاقة له بالمسرح لا من بعيد ولا من قريب، بل إنه لم يحضر مسرحية في حياته، بيد أن الظروف فرضت عليه أن يحصل على تلك الشهادة في المسرح!
وأعرف ممثلاً تخطى مرحلة الكومبارس بقليل، يقول لمن حوله إن عصر صقر الرشود انتهى، وبات يتحدث عنه بنوع من عدم الوفاء لبصمته في المسرح الكويتي، فقلت له بصوت مرتفع: ليس هناك مخرج حقيقي مبدع في الكويت إلا صقر الرشود وفؤاد الشطي رحمهما الله، وأضاف صديقي لي معلومة عن إمكانيات بعض المخرجين الشباب أمثال فيصل العميري وسليمان البسام، وبالطبع هناك أسماء لا أعرفها فأرجو المعذرة إلا أن عملية عدم احترام تجارب الآخرين خصوصاً أولئك الذين سبقوه في المجال.
لا أمانع من أن يقتني الشباب هاتفاً ذكياً، ولا أن يكونوا نشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي من سمات العصر، ولكن علينا أن نعرف هويتنا وثقافتنا، فهناك فرق كبير بين متعلم وبين مثقف، وبالتالي فإن مناهج التعليم باتت بحاجة إلى تطوير ولا أقول تغييرا كي لا يظهر لنا في المستقبل جيل يتحدث عن معطيات الثقافة الكويتية، وكأنها عنصر محشو في مجتمعهم وهي معطيات لا تنتمي إليهم، كما أتمنى من الحكومة أن تلتفت إلى المشاريع الثقافية كي تصل إلى البيت الكويتي، كما وصلت اللوحة الكويتية، ولكن بعد أن يقوم المقتني بمرحلة طويلة من «المكاسر» وهي صفة غير حميدة!

* كاتب وفنان تشكيلي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي