No Script

«أهل الدار» يرفعون الصوت تحذيراً من مغبة الخطف والقتل والاغتصاب

المسيحيون العرب بين شرق مأزوم وغرب يدير ظهره 2

تصغير
تكبير
• ضمانة المسيحيين بتفاعلهم مع المسلمين في المنطقة على قاعدة مشروع للعيش المشترك

• دعوة المسيحيين للانتساب إلى ما يسمى بتحالف الأقليات أقصر طريق لخروجهم من المنطقة

• إذا وقفت الكنائس المشرقية إلى جانب الأسد والأنظمة البائدة في المنطقة فستخرج من الحياة الوطنية

• هناك حاجة للمسيحيين العرب كي يشهدوا أمام الغرب بأن تجربة العيش المشترك مع المسلمين ممكنة

• مَن يريد أن يذرف دموع التماسيح على مسيحيي الموصل عليه أن «يستقرب» وينتخب رئيساً مسيحياً في لبنان

• «حزب الله» يوزع في إحدى بلدات البقاع الشمالي 4 رشاشات حربية على شباب مسيحي ليحرس ليلاً
«ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، ولا بالترهيب والمواطنة المنقوصة تعيش الفئات غير المسلمة في ديارها وأرضها. في العالم العربي، وحين أُلبست ثورات الربيع لباساً متشدداً يسعى للتوسع والهيمنة تحت راية «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، التي تعيث في المنطقة دماراً وبطشاً، طفت على بحر الدم الهائج الذي لا يقف عند حدود دين، ممارسات التنكيل بحق المسيحيين في الموصل والايزيديين في سنجار والأكراد في سورية والعراق.

المسيحيون سكان المنطقة و«أهل الدار» رفعوا الصوت تحذيراً من مغبة الخطف والقتل والاغتصاب. هم لا يريدون الرحيل عن بلادهم، لكن بلداً مضيفاً خير من ألف وطن لا يقدّر لهم ماضيهم، يحفظ لهم حاضرهم ويضمن لهم مستقبلهم... من هنا برأيهم كان النزوح وفُرض التهجير...

فمَن يحميهم؟ هو السؤال الوجودي الذي ردّ عليه «لقاء سيدة الجبل» الذي أكد أن «الحل بالنسبة للمسيحيين، هو في العمل جنباً إلى جنب مع المسلمين من أجل عالمٍ عربي متنوّر، ديموقراطي وتعددي»، فيما جاء مؤتمر واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية تلبية لدعوات طالبت بالحماية الدولية للوجود المسيحي في المشرق العربي.

«الراي» عرضت واقع المسيحيين العرب وعرّجت على تاريخهم في المنطقة، مستشرفة مع نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي السبل التي تضمن لهم في هذه المنطقة مستقبلهم.

منسّق الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار في لبنان أكد أنهم ليسوا طارئين على المنطقة

سعيْد: كل مَن ادّعى حماية المسيحيين كان حامياً لمصالحه واحتمى بهم بدل أن يحميهم منذ الصليبيين وحتى اليوم

شدّد منسّق الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار الدكتور فارس سعيْد لـ «الراي»، على أن «ليس هناك من أزمة مسيحية منفصلة عن أزمة الإنسان في هذه المنطقة»، متحدثاً عن «محاولة استغلال من البعض لتضخيم ما يجري وتقديم أنفسهم على أنهم حماة للمسيحيين».

وأكد أن «هذه الحماية مشبوهة، لأننا كمسيحيين ندرك ونعلم تاريخياً أن كل من ادعى حمايتنا كان حامياً لمصالحه، واحتمى بنا بدل أن يحمينا»، معتبراً أن «ضمانة المسيحيين تكمن في تفاعلهم مع كل الجماعات، وبالتحديد مع المسلمين في هذه المنطقة على قاعدة اكتشاف مشروع مشترك هو مشروع العيش المشترك».

• بالنظر إلى ما تشهده المنطقة، لماذا نجد ان المسيحي دائماً على أهبة الاستعداد للهجرة؟

- أولاً لا أحد قادر على التخفيف من حجم المخاطر التي تلقي بظلالها على الإنسان العربي أكان هذا الإنسان مسلماً أم مسيحياً: سنياً أو شيعياً أو درزياً أو مسيحياً أو إلى أي مذهب انتمى. وبالتالي ليست هناك أزمة مسيحية منفصلة عن أزمة الإنسان في هذه المنطقة. مَن يقتل في هذه المنطقة يقتل السني والشيعي والمسيحي والدرزي بشكل متساوٍ، وبالتالي التعبير عن الأزمة بجزئياتها وكأن هناك أزمة لدى المسيحيين وأزمة لدى المسلمين، فهذا يفتح الباب كي يُقال ان هناك حلاً للمسيحيين بمعزل عن حل للمسلمين، بينما المطلوب هو أن نصف هذه الأزمة - وهذه هي الحقيقة - بأنها أزمة الإنسان العربي أكان مسلماً أو مسيحياً وبأن هناك حلاً واحداً لها وليس حلولاً جزئية أي حلّ للمسيحيين بمعزل عن الحلّ للمسلمين.

في ما يتعلق بالوضع المسيحي، هناك أزمة منعكسة على المسيحيين كما قلنا، وهناك محاولة استغلال من البعض لتضخيم ما يجري وتقديم أنفسهم على أنهم حماة للمسيحيين. وهذه الحماية مشبوهة لأننا كمسيحيين ندرك ونعلم تاريخياً أن كل مَن ادّعى حمايتنا كان حامياً لمصالحه، واحتمى بنا بدل أن يحمينا. منذ الصليبيين وحتى اليوم، كل مَن ادعى أنه يريد حمايتنا كان حامياً لمصالحه.

اليوم هناك مَن ينصح المسيحيين بابتكار أشكال من الأمن الذاتي وثمة مَن يوزع عليهم السلاح. وأعتقد أن هذا أقصر طريق باتجاه التغريب والخروج من هذه المنطقة. هناك مَن ينصحهم بالانتساب إلى حلف الأقليات، وكأن هناك حلولاً للأقليات بمعزل عن الأكثريات. الأكثرية في سورية تُذبح منذ أربعة أعوام ويُضرب أطفالها بالبراميل. هذه أكثرية. وإذا أمّنا حماية للأقلية، فمَن يؤمن الحماية للأكثرية؟

هناك مَن يعرض على المسيحيين حلاً ثالثاً وهو أن يذهبوا لدى الأمم المتحدة ودوائر القرار الغربية، وأن ينتزعوا من الأمم المتحدة قرارات تصدر عن مجلس الأمن من أجل حمايتهم، وكأنهم حالة خاصة في هذه المنطقة على المجتمع الغربي أن يحميها بمعزل عن حماية الآخرين. وفي رأيي ان كل هذه الحلول ليست فقط ناقصة وغير واقعية، إنما تعرّض الجماعة المسيحية إلى شتى الأخطار.

ضمانة المسيحيين تكمن من خلال تفاعلهم مع كل الجماعات، وبالتحديد مع المسلمين في هذه المنطقة، على قاعدة اكتشاف مشروع مشترك هو مشروع العيش المشترك. وقد اكدت خلوة سيدة الجبل على هذا الموضوع، وقالت ان هذه التجربة اللبنانية ـ أي تجربة العيش المشترك ـ يجب إعادة إحيائها من اللبنانيين. من هنا الحاجة إلى إبراز كتلة لبنانية عابرة للطوائف تحمل هذا المشروع، ومن ثم القول لكل العالم العربي الذي هو أيضا يتألف من مجتمعات متنوعة مثل المجتمع اللبناني أن الحل الوحيد في سورية والعراق هو النموذج اللبناني، اي كيف يمكن أن نعيش مختلفين في إطار دولة واحدة ومصالح مشتركة واحدة.

• ما الهدف في رأيكم من حصر الموضوع في إطار «المسألة المسيحية»؟

- الهدف هو القول ان مصدر الخطر يأتي من السنّة وأن الإرهاب هو إرهاب سنّي، وبالتالي على الشيعة والدروز والموارنة واليهود والايزيديين والعلويين أن يتّحدوا مع بعضهم البعض لمواجهة العائلة الكبرى التي هي العائلة السنية. هذه دعوة للمسيحيين إلى الانتساب إلى ما يسمى بتحالف الأقليات. وهذا أقصر طريق للخروج من المنطقة.

والمسيحيون ليسوا طارئين على هذه المنطقة، وهم يدركون أن هذه العروض نفسها قُدمت لهم قبل مئة عام. ففي العام 1920 خُيّر المسيحيون بين مشروعين: إنشاء لبنان وطناً قومياً مسيحياً ملجأ لكل الأقليات المسيحية في المنطقة، على غرار وعد بلفور في العام 1919 لقيام دولة إسرائيل، أو الذهاب باتجاه لبنان الكبير ولبنان العيش المشترك. اليهود ذهبوا باتجاه بناء مجتمع صاف. ورغم الحيوية اليهودية ورغم الدعم الغربي لهذه التجربة، فهم مضطرون بعد سبعين عاماً لبناء جدار فاصل من الإسمنت بينهم وبين العالم العربي، ولم تنجُ إسرائيل من استمرار الحرب منذ العام 1948 وحتى اليوم.

اما الموارنة فاختاروا العيش المشترك مع المسلمين. ومنذ أربعينات وخمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، هم مهندسون وأطباء ومحامون في الخليج وفي العالم العربي، وهم جزء لا يتجزأ من هذا العالم العربي. بمعنى آخر الضمانة للمسيحيين هي قناعتهم بأن ما يربطهم مع المسلمين في هذه المنطقة هو ماض مشترك، حاضر مشترك ومستقبل مشترك.

• ربما يكون هذا حال المسيحي اللبناني، لكن ألا تختلف التجربة المسيحية في العراق وسورية وغيرهما من الدول العربية؟

- أبداً، لا تختلف. فالمسيحي العراقي أو السوري أو الفلسطيني أو الأردني لا يختلف أبداً عن المسيحي اللبناني. الذي يختلف هو التجربة الكنسية. الكنائس المشرقية لم تلعب دوراً ذكياً منذ أن بدأت أحداث الربيع العربي وبدأت تعصف رياح التغيير. في العام 1789 وقفت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا إلى جانب الملك ضد الثورة الفرنسية. والآن اصبحنا في العام 2014 ولا تأثير للكنيسة الكاثوليكية في فرنسا بالحياة الوطنية الفرنسية؛ خرجت الكنيسة منذ ذلك الوقت. واليوم إذا وقفت الكنائس المشرقية إلى جانب الظالم أي إلى جانب (الرئيس) بشار الأسد والأنظمة البائدة في هذه المنطقة، فستخرج أيضاً من الحياة الوطنية.

لا أحد يستطيع أن يقف في وجه ثورة، لا كنيسة ولا غير كنيسة. حتى لو اصبحت هذه الثورة عنفية. وحتى لو تأسْلمت هذه الثورة، وحتى لو أخذت جوانب، منها دواعشية أو غير دواعشية، فهذه ثورة وهي كفيلة ان تلفظ النتوءات التي تعتريها.

الثورة هي ولّادة التاريخ. نحن أمام مفصل بين قديم انتهى وبين جديد نتلمّس معالمه، وعلى الكنيسة المشرقية أن تكون على خط التماس من أجل أن تصبح جزءاً من مستقبل المنطقة، لانها اليوم هي جزء من تاريخها.

• كيف يمكن للمسيحي مواجهة ما يحصل، هل بالمحبة والصلاة وإدارة الخد الأيسر يحافظ على وجوده؟

- أبداً. بل عبر شبْك وبلورة مشروع مشترك مع المسلمين في هذه المنطقة. المسلمون يعانون من موجة إسلاموفوبيا في الغرب. الغرب ينظر إلى المسلمين انطلاقاً من رؤية ان مصدر الخطر والإرهاب يأتي من هذه المنطقة، وهناك حاجة إلى المسيحيين العرب كي يشهدوا أمام الغرب بأن تجربتنا في العيش المشترك ممكنة، وبالتالي كما عشنا مع الإسلام خلال 1400 سنة، فان هذا الإسلام قادر على العيش في أوروبا وفي الولايات المتحدة.

في المقابل أيضاً نحن أقرب المسيحيين إلى العقل الإسلامي. وأي مبادرة غربية باتجاه العالم الإسلامي، نتمنى أن نكون جزءاً منها.

• اليوم هناك مؤتمر لحماية المسيحيين في العالم العربي، هل تعوّلون على هكذا خطوات دولية؟

- نتمنى لهذا المؤتمر النجاح، إنما نعتبر أن كل مَن ادعى حمايتنا كان يحمي مصالحه.

• دعوتم في لقاء سيدة الجبل إلى اللبننة بمعناها الإيجابي في العالم العربي... لكننا اليوم نعاني لبنانياً في ما يتعلق بالدور المسيحي، خصوصاً على صعيد رأس الهرم حيث يُعد لبنان الدولة العربية الوحيدة التي يترأسها مسيحي. ماذا يفترض أن نفعل أقله محلياً؟

- انتخاب رئيس. مَن يريد أن يذرف دموع التماسيح على مسيحيي الموصل، عليه أن «يستقرب» وينتخب رئيساً مسيحياً في لبنان. فـ «كرتونة» المساعدة إلى مسيحي عراقي في سد البوشرية (في لبنان) لا تفي بالغرض. ما يفي بالغرض هو إنتخاب رئيس مسيحي في لبنان، كي يشعر أي مسيحي في المنطقة بأن هناك مرقد عنزة، وأن هناك دولة يترأسها مسيحي موجودة في هذه المنطقة.

«كرتونة» الدواء أو الخبز التي تقدم إلى المسيحي العراقي في سد البوشرية تَنْفذ في اليوم نفسه. أما وجود جمهورية لبنانية يترأسها مسيحي فهذه جمهورية دائمة.

• بالنظر إلى تعطيل انتخاب رئيس جمهورية في لبنان وطول أمد الفراغ، هل يمكن القول ان المسيحي نفسه «يكسر مجاديفه» من خلال تعطيل النصاب؟

- ليس كل المسيحيين، يجب عدم التعميم. ما يعطّل النصاب هو قرار إيراني بألا يكون هناك رئيس جمهورية في لبنان. ومن أجل التوصل إلى أهدافه هو يستخدم جزءاً من المسيحيين الذين يمثلهم ميشال عون.

• مررتم على ذكر مَن يطرح نفسه كمنقذ للمسيحيين، البعض يرى أن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله قدّم نفسه في هذا الإطار... هل أنتم من هذا الرأي؟

- لا... مررنا على موضوع الحماية. السيّد نصر الله يقول للمسيحين: أنتم في دائرة الخطر ونحن أيضاً في دائرة الخطر وعلينا أن نتّحد لمواجهة هذا الخطر. قبل أيام حصل لقاء في منطقة شرق صيدا جمع قيادات من «حزب الله» مع بعض الفاعليات المسيحية من بلديات وغير بلديات، وحصل اللقاء في بلدة عبرا. ماذا قيل للمسيحيين في شرق صيدا؟ قيل: نحن وإياكم في مواجهة «الإرهاب السني». وبالتالي هذه دعوة إلى تحالف الأقليات في مواجهة ما يسمّونه «الإرهاب السني». تصوّري أنني على سبيل المثال في منطقة جردية في جبيل أقول الحمد لله أن هناك جحافل لـ «حزب الله» في بلدة لاسا ستحميني في حال هجم علينا «داعش»! مَن أريده أن يحميني هو الدولة اللبنانية، الشرعية اللبنانية، القانون اللبناني والدستور اللبناني. وكل مَن ادّعى حمايتي كان حامياً لمصالحه.

• ماذا عن المسيحي العربي ومن ضمنه اللبناني، وأيّ دور لابد أن يلعبه المسلم المعتدل؟

- أن يخوضوا معركة ديموقراطية هذه المنطقة، أن يكونوا رأس حربة لقيام الدول المدنية التي تتجاوز الانتساب إلى الطوائف وتذهب باتجاه بلورة المواطن اللبناني، المواطن العربي ضمن دولة مدنية.

• ماذا عن دور المملكة العربية السعودية في هذا الإطار؟

- المملكة العربية السعودية لها وضع إسلامي خاص. وضعها الثيوقراطي أشبه بوضع دولة الفاتيكان. تعتبر نفسها مؤتمنة على المسلمين. ما يجب أن يقوم به المسيحي اللبناني والعربي هو خوض معركة الحداثة والديموقراطية في هذه المنطقة، وايضاً خوض معركة بناء الدولة المدنية. وأي خروج عن هذه القاعدة والذهاب باتجاهات الربح السريع أي الحماية الظرفية - فـ«حزب الله» يوزع في إحدى بلدات البقاع الشمالي أربعة رشاشات حربية على شباب مسيحي ليحرس ليلاً - يعرّض المسيحيين للخطر ولا يؤمن لهم الحماية.

• أي شرق يمكن الحديث عنه من دون مسيحيين؟

- أيّ شرق من دون الإنسان؟ لن يرحل المسيحيون، سيبقى المسيحيون والمسلمون والدروز والجميع. أي شرق من دون إنسان حر؟ والإنسان هو الإنسان الذي يجب أن يعيش بكرامته، أن ينال خدمة استشفائية، أن ينال خدمة طبية، أن تكون كرامته محفوظة في المدرسة، وأن تكون كرامة أولاده محفوظة في الجامعة، أن يكون في دولة فيها قانون، أن يدفع ثمن عيشه بكرامته لدولة تأخذ منه ضرائب مقابل أن تقدم له خدمات بدهية. هذا هو المطلوب.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي