No Script

رواق

السبعينات والثمانينات

تصغير
تكبير

قد يكون الفرق بين المولود في 31 ديسمبر 1979، والمولود في 1 يناير 1980... يوماً واحداً فقط، لكن المسافة الفاصلة بين المولودين تتجاوز العام الفارق، بين سنتي ميلادهما، وتمتد إلى عقود، وتشكل جداراً فاصلاً بين جيلين بكل ما تعنيه الكلمة.
الجدار الكونكريتي - الذي أقامه أكثر جيلين متقاربين - لم يقمه قبلهما مواليد الستينات مع مواليد الخمسينات، ولا بعدهما مواليد التسعينات مع مواليد «الألفينات»، جاء كل جيل كامتداد لما قبله، وواصل الحياة بشكلها الطبيعي من دون فروقات واضحة، أو بفروقات لكنها لا تشبه أبداً سور بارليف الذي أقامه مواليد السبعينات، الذي يعتبر نفسه آخر الأجيال الطيبين بينهم، وبين مواليد الثمانينات ولو كانوا أطيب منهم!
يجيد «الطيبون» الدراما على أصولها لدرجة تعتبر «كوميديا» الأجيال القادمة تفاهة، ولو كانت سوداء تسخر من سوداويتهم هم الذين أدمنوا الشعارات، ولم يتكيفوا مع سقوطها عمليا، فواصلوا لعن الظلام مع سخرية وتقليل من شأن الذين يشعلون الشموع، باعتبارهم واهمين وحالمين بمواجهة الظلام الدامس لسوداوية المشهد في عيونهم... هم الذين لا يجيدون التكيف ولا يتقنونه ولا يريدون تعلمه، لأنه سينهي معزوفة «ظلموه»، التي أدمنوها هم أكثر الأجيال حظاً ولكن... لا يرون إلا النصف الفارغ من واقعهم!


يعتبرون أنفسهم انقرضوا في الحياة العامة، وهم يملأون المناصب القيادية في الحكومة والقطاع الخاص، ويتهكمون من فرص أبناء الثمانينات بعبارة «خلف الله علينا»، رغم أن الفرص - التي أتيحت لهم - أكثر، وهم الذين أهدروها في حين عرف اخلاقهم اقتناص الفرص المحدودة والنادرة.
يرى جيل الثمانينات مواليد السبعينات «كباراً»، في حين يرى مواليد السبعينات جيل الثمانينات «أطفالا»، ويرى الأطفال أنفسهم من خلال هذه النظرة لهم...كبروا كثيراً!
يعمل الثمانينيون لتغيير موقعهم من المشهد واحتلاله، فيفسح السبعينيون المجال لهم كي يرددوا: «انقرضنا... كلونا اليهال... هالوقت مو لنا... راحت علينا»!
وسط حلطمة أبناء السبعينات، ينشر أبناء الثمانينات البهجة من مأساة سلفهم المتحلطم وأكثر، يصر أبناء الثمانينات على ثقافة الوناسة، ويصر أبناء السبعينات على اعتبار وناستهم تفاهة، وكأن الحرب بين معسكرين على وشك أن تقوم، وكل جيل يرى نفسه أكفأ من خلفه، لن أقول كل جيل فبين هذين الجيلين تحديداً المسافة الفاصلة بين عدم الانسجام وعدم التفاهم أوسع وأكبر.
هل تعتقدون أنني أبالغ؟ اصحبوا أحد أصدقائكم من مواليد السبعينات إلى الغداء في مطعم - أي مطعم - ثم اصحبوا صديقا آخر من مواليد الثمانيات إلى المطعم نفسه للتأكد من صحة النظرية.
ابن السبعينات، ستستمع منه إلى قصائد معلقات في هجاء الغلاء وعدم الجودة والازدحام والإزعاج ومستوى الحضور والخدمة والطعم والرائحة و... و... و... حتى تعتقد أنك دعوته إلى غزوة فتلعن تلك الدعوة.
أما ابن الثمانينات فستستمع منه في مدح المكان مدحاً لم ينشده المتنبي في سيف الدولة، لدرجة أنك تقع فريسة الشك في اعتقاد أنه يمتلك المكان.
المكان نفسه حين يجمع الجيلين، لا يريهما النظرة نفسها، فكيف سيريان الحياة من منظوريهما؟
بين جيلين... أم بين نقيضين؟
وتبلغ حالة «اللا تعايش» أقصاها في العمل الواحد، وحتى في البيت الواحد... أحياناً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي