No Script

«ألّا تـطـغـوا فـي المـيـزان...»

No Image
تصغير
تكبير

قال تعالى في سورة الرحمن: «ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزنَ بالقسط ولا تخسروا الميزان». صدق الله العظيم.
استوقفتني الآية الكريمة... والمراد منها التوزين بالحق والعدل وهما أساسان لا يفترقان في التعامل، فلا يبخس الإنسان حق إنسانٍ، ومن لا يحب الظلم على نفسه فليمنع الظلم عن العباد.
والميزان المقصود في الآية (ميزان الأثقال) أي أن الله عز وجل وضعه بين أيدي البشر كي يعدلوا، ولا يبخسوا الناس أشياءهم.
فالعدل شعاره الميزان الذي ينبع منه المساواة والطمأنينة بين الناس في الحق والجزاء.
ففي الصيف الماضي كنت في رحلة إلى إحدى دول آسيا الشرقية... وكعادتي أحب زيارة الأماكن التاريخية القديمة للاطلاع على حضارات الدول، شاهدت تلك الجدران الشاهقة التي قام ببنائها القدماء قبل مئات السنين، وما زال البعض منها يرمم للمحافظة عليها، وقد قارب ارتفاع الأبنية تلك الجسور والكنائس التي تظهر خلفها، ففي البناء الحجري القديم حكايات وذكريات لا تنسى.
وما زلت أسير بين الأبنية الشاهقة حتى لمحت دكاناً قديماً وكأنني في زمن العصور الوسطى، وبه ميزان كبير من الحديد ويرتكزعليه كفتان من النحاس، فاخترت قليلاً من الفاكهة... فأخذه البائع ووضعه في الميزان، فإذا به يستعين بثقل يضعه مع الفاكهة لتتساوى الكفتان.
فقلت له: من الأجدر أن تتساوى الكفتان بالثقل من جهة والفاكهة من جهة أخرى أليس كذلك؟
فأجاب ضاحكاً: نحن نتبع هذه الطريقة منذ آلاف السنين... فقد تعلمت التوزين بهذه الطريقة من والدي، وكما ورثه هو الآخر من أبيه.
ولو كنا نتحدث عن «الغش التجاري» فهو وارد في جميع الأماكن والبلدان بتعدد الأسباب... فكان البائع يزاول الغش باحتراف مدعياً وراثته عن أبيه، كما زاوله الآباء بكل مهارة عن الأجداد، ومن المؤكد أن تلك الموازين تغيب عنها العدالة والرقابة فكلاهما في خبر كان.
فالآية التي نحن بصددها «ألّا تطغوا» فهي تتحدث عن جميع المعاملات بين الناس في المجتمع الذي يجمع بين الأغنياء وميسوري الحال، والدعوة خالصة للأغنياء على إعانة الغارمين والمحتاجين منهم، أو المطالبة بقضاء ديونهم ومد يد العون بما استطاعوا لإعانتهم، فالإنسان البسيط ينتظر راتبه بكل صبر وعزيمة، فالتحديات من أجل العيش بسلام وأمان كثيرة، فلا تخلو الحياة من الصدمات... ويبقى الخوف من الله نبراس الحياة وتاج الأقوياء إيماناً ونهجاً.
ففي معظم الدول التي تمارس بها حرية التجارة في الاستيراد والتصدير، هناك قوانين تفرض على التجار بضرائب دعماً للحكومة، كما أن هناك أغنياء يقومون بدعم الحكومة في بناء المستشفيات والتخصصات التي بحاجة إليها الشعب.
أما الذين اعتادوا مواجهة الناس ومتطلباتهم باعتراض وغضب، فسيكملون مسيرتهم في الحياة هكذا... تلك هي الظواهر الغريبة والتي تثير القلق والتباعد بين الناس، لجهلهم في بعض الأمور التي يسعون إليها، علما بأن الترابط الأسري أساس المجتمع هداهم الله.
فلا شك ولا ريب أن لكل إنسان في حياته قدوة وأسوة يتأسى ويقتدي به ويستضيء بنور علمه، فلو سئل أحدهم من مقتدك؟ لقال أبي، وأبوه لا يعلم أساليب حديثه... رحم الله الآباء والأجداد... يقولون: المهم القلب الصافي، كأنهم لا يعلمون أن القلب مركز الأعمال، والعمل ثمرة القلب السليم، والثمرة تنبئ عن الشجرة، فأين ثمرة قلبك الصافي؟
يسعى الإنسان في حياته لتربية أبنائه تربية صالحة ليكونوا لبنات فعّالة في مجتمعه ووطنه... فأينما يولد الإنسان وعلى أي بقعة من الأرض يكون له وطن وسكن وحب وولاء، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالعمل الصالح...
وهنا جاء دور(الميزان) الذي يقاس به العقل والقوة والإرادة، كما تقاس المواد العينية، فلا كنز أنفع من العلم ولا جمال أفضل من العقل، فالأرض موطئ الأقدام كما أنها مسقط الرأس... فالرأفة أساس الحياة ولا حياة من دون عدل.

Twitter: @H_ALHASHEMMI
ALhashimi636@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي