No Script

رؤى

ذاكرة القلب

No Image
تصغير
تكبير

تسعفنا بداية السنة بتذكر أحداث مضت وتفاصيل معقدة وحوارات لم تنته مع أنفسنا أو مع الآخرين، في لحظات من التأمل والتبصر ماذا فعلنا في عامنا الماضي؟ وماذا سنفعل في القادم والمستقبل؟ بل يتعين علينا في بعض الأحيان الهروب من سلسلة من الإجابات التي حتما ستصدم قلوبنا بجوابها القاسي والمعروف لدينا، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بمن نحن؟ وماذا نريد؟
إن هذا التخبط القلبي الذي يصيبنا كل عام بين طموحاتنا وعلاقاتنا وأفكارنا وعلاقتنا، ماهو إلا نتيجة إلى ذاكرتنا القلبية التي تزدحم على الدوام بمواقف وقصص محفورة في أرواحنا،وقد يتهرب الكثير منا أو يضعها في سجلات الملفات البالية خصوصًا إذا كان الأمر يتعلق بالمشاعر المتضاربة والسيئة. ومن يريد قراءة سير من الحزن على نفسه؟
ليس من الصعب أبدا أن نخلق من حولنا أحلام وردية وقصص أسطورية يشوبها الفرح دوما، مزينة بالبسمة والرضا مكللة بالأمل والألق، ولكن هل هي الحقيقة فعلا أم هي خدعة نختلقها حتى نهرب من المسؤولية العظيمة التي بين أيدينا التي تبدأ من إعمار الأرض إلى نشر السلام انتهاء بإرساء قواعد من الحب والعطاء الوفير.
تبدأ حساباتنا العمرية غالبا في اليوم الأخير من السنة وتترتب عليها أزمة منتصف العمر التي تصيبنا، مع أننا نعرف جميعا أن العمر مجرد رقم يضاف في خارطة السجلات، صحيح أن هو من المهم أن يغتنم الإنسان شبابه قبل هرمه،ولكن ما الفائدة أن يظل الإنسان سنين طويلة في المحطة نفسها متعللا بساعة ميلاده؟
حين يسكننا الإحساس بثقل السنوات التي مضت وبثقل الآتي، فإنه لا يمكننا أن نخطو خطوة إلى الأمام بل إننا سنقف عاجزين عن تحقيق حتى جزء يسير من أحلامنا والسبب يكمن في أحاسيسنا التي ينتابها الأسى والقنوط في كل مرة،غير مدركين أن الحزن بثقله أمر طبيعي يتخلل حياة كل فرد فينا،وأن لكل مرحلة تفاصيلها العمرية بحلوها ومرها،فكيف نتعلم إذا لم نذق طعم الفشل؟
يطرح المفكر علي شريعتي في كتابه «الإنسان والإسلام» الفرق بين مفهومي الإنسانية والبشرية، فيشرح الفرق العميق الذي نجهله نحن، فالإنسان هو ذلك الذي يختار قراراته بفكر واع دون تأثير الآخرين من حوله حيث إنه يكون ذا مسوؤلية مجتمعية اتجاه كل حدث ناهيك أنه مبدع في مجال تأثيره الفكري. أما البشرية تعني أن تكون كائنا حي تأكل وتشرب وتنام وتتكاثر طوال مسيرة حياتك دون أن تعي بمن أنت ولماذا خلقت وما دورك في هذا الكون،أشبه بأن تكون حيوانا لا أكثر ولا أقل!
«نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا»هذه المقولة التي تعزز فينا الإقدام على مواجهة هذه الحياة، بل إنها تزرع في ذواتنا معنى أن نحب إنجازاتنا مهما بلغت في صغرها وتحثنا على الإنجاز باستمرار وتذكرنا من نحن ولماذا خلقنا وتقودنا إلى التصالح مع ذواتنا،بل تؤكد أن علينا أن نبدأ هذه اللحظة من التحرر من الأشياء التي لافائدة لها تذكر والتي تسبب شلل في حركة قلوبنا قبل عقولنا، والتي تشكل عبئا مضاعفا على ذاكرتنا.
إن هذا هو الوقت المناسب لنطوي صفحة من اليأس ونبدأ مغامرة جديدة وقصة رائعة ننقشها في محيا أحبابنا، وندرك فعلا أن ثرائنا ليس بتضاعف أرقام أرصدتنا البنكية بل إنه بمعرفة جمال أسرار هذه الحياة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي