No Script

خواطر صعلوك

أمي وأمك... والرئيس الفيلبيني!

تصغير
تكبير

لن نستطيع أن نتكلم عن أزمة الرئيس الفيلبيني وملف العمالة المنزلية من دون أن نتطرق إلى ملف الأمومة والطفولة في المدينة وترسباتها.
إن ردود الفعل على الخبر وهذه الشحنة الانفعالية من المجتمع الذي أصيب بصدمة ما بعد القذائف بسبب تصريح الرئيس الفيلبيني بسحب عمالته، جعلتني أتساءل عن حقيقة مشاعرنا تجاه أبنائنا، وهل فعلاً نجلس معهم اليوم بطوله أم أننا نمثل على بعضنا البعض في التربية من دون أن أزايد على علاقة الآباء بأبنائهم بشكل عام.
ففي ظل وجود عدد من الخدم والخادمات والمربيات يزيد على عدد الأمهات في الهرم السكاني بعدد 670 ألفاً في عام 2016، جلبهم للكويت 356 مكتباً مرخصاً، ليقوموا بما يفترض أن تقوم به الأمهات أنفسهن، يجعلنا نتساءل أيضاً عن دور الأمومة هنا، وما واجباتها؟


ولا أريد أن أشير إلى عدد الجرائم والحوادث المرتكبة خلال السنوات الخمس الماضية في حق الطفولة والتي من المفترض أن تدعونا إلى وقفة حازمة وجادة من أجل أبنائنا، ولا أريد أن أشير إلى بعض حالات العمالة المنزلية التي لا تصلح للعمل لأسباب نفسية تتعلق بهم مثل الاضطراب النفسي أو الحالات التي تتعرض لها العمالة من قبل الكفيل مثل منع الراتب وتكليفهم بأعمال إضافية والضرب والتجويع كوسيلة عقاب أو الحالات التي يتم هضم حقوقها من المكاتب فحولوهم إلى وحوش غاضبة، وكيف شكل ملفهم أدوات صغط إعلامية على الكويت في ما يتعلق بحقوق العمال والإنسان، فالدراسة الصغيرة والمفيدة التي قدمتها الدكتورة مها ناجي غنام بعنوان «جرائم العمالة المنزلية في الأسرة الكويتية»، قد وضحت الكثير حول ما لا أريد الإشارة إليه.
أريد أن أشير إلى الأسباب الحقيقية من وجهة نظري والتي ربما تجعل الأمور تزداد سوءاً إذا لم نتداركها، علما بأنه كان يمكنني أن أبرد قلمي للرد على الرئيس الفيلبيني وأجعل جميع القراء يضحكون عليه مستخدماً حصيلة لغوية ساخرة تجعلني أبدو وطنياً ومدافعاً عن وطني ضد رئيس سأدعي أنه يريد «بيزات» كويتية، ولكنني في الواقع سأكون بذلك أسخر من القراء أنفسهم ومن وطني وليس أحداً آخر، فالمقال إذا لم يوقظ... فما الداعي لكتابته؟!
يشخص لنا الدكتور مصطفى حجازي في كتابه «نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين» كيف أنه لا بد للعلاج الناجح أن يتحرك من التدخل على المستوى الظاهري وصولاً إلى مكامن الفعل الخفي، إذ لا يمكن علاج مشكلة المربيات والخدم مصدر الشكوى المتزايدة خليجياً من خلال التركيز عليها في ظاهرها الذي يخفي وراءه تراجع الالتزام بالمسؤولية عن الأبناء وتنشئتهم، والعائد بدوره إلى تنامي الميول للأنانية الذاتية المتمثلة بالجري وراء إشباع الرغبات الشخصية. انتهى.
إن وجود أمهات في العمل الصباحي بمعدل 6 ساعات ثم وجودهن في السناب شات بمعدل 3 ساعات ثم التفرغ لمناسباتهن و«طلعاتهن» بمعدل ساعتين يجعلنا نتساءل عمن يربي أبناءنا، وكم يتبقى من الوقت لهم؟
وظاهرة توجه بعض الأمهات لعيادات التجميل، ورفض الرضاعة الطبيعة حتى لا تترهل الأثداء كسبب رئيسي كما صرحت وزارة الصحة من قبل حسب دراسة قامت بها لمعرفة سبب عدم الرضاعة، مع تزايد حالات الطلاق بسبب السوشيال ميديا أو مشاكل أسرية أقل ما يقال عنها إنها سخيفة، مع الشغف بحضور مناسبات ترفيهية يمنع فيها اصطحاب الأطفال، كل هذا مؤشر على ما قاله الدكتور حجازي.
لا شك أن تراكمات الحضارة الحديثة نبذت شكلاً معيناً من الأمهات تقريباً لم يعد موجوداً أو قليل منهن، فالأم التي تحمل رضيعها بصورة متواصلة أثناء مهامها اليومية في جمع الحطب والحشائش وفي البذار والحصاد وأثناء الطبخ، هذا الشكل لم يعد موجودا إلا عند الأم الأفريقية التي تجعل طفلها يركب على حوضها، أو عند الأم لدى الهنود الحمر التي تحمل طفلها على ظهرها، أو امرأة المزرعة التي تحمل طفلها على كتفها فيشاركها حركاتها وأعمالها... لقد نبذت المدنية كل أم بهذا الشكل وتوقف خط إنتاج أمهات يمتلكن مهارات اقتصاد منزلي أو حتى قدرة متواصلة على ملازمة الأبناء، فقط اذهبوا إلى أي مجمع تجاري كبير وادخلوا إلى الأقفاص الكبيرة المعدة مسبقا للعب الأطفال لتكتشفوا أنه حتى في اللعب لم تعد الأمهات موجودة... كلهن مربيات وخدم، وما لا يفعله الخدم في تمضية الوقت يفعله الآيباد!
لهذا السبب فقط كان تصريح الرئيس الفيلبيني صادماً، ولو كان الجيل هو جيل أمي وأمك عزيزي القارئ، لما هز فيهن هذا الخبر شعرة... لهذا السبب علينا أن نراجع أنفسنا وليس فقط أن نراجع أرشيف معاملتنا الحسنة أو السيئة للعمالة الفيلبينية.

كاتب كويتي
moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي