No Script

عملية تعرية علي عبدالله صالح

تصغير
تكبير

في مثل هذه الايّام، قبل عامين، ظهر علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن ثلاثة وثلاثين عاما، للمرّة الأخيرة في مهرجان شعبي. كان ذلك في مناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس حزبه (المؤتمر الشعبي العام) الذي ليس معروفا هل يمكن إعادة الحياة اليه في غياب الرجل الذي صار أنصاره يسمّونه "الزعيم" بعد خروجه من السلطة.

لا يزال المهرجان الشعبي يوم الرابع والعشرين من آب – أغسطس 2017 مهرجانا غريبا. ففي ذلك اليوم اكتشف علي عبدالله صالح ولو متأخّرا ان الحوثيين يطوقونه وان مئات الآلاف من رجال القبائل، الذين غصت بهم شوارع صنعاء في المناسبة، ليسوا على استعداد للدفاع عنه وحمايته. اعطى هؤلاء إشارة أولى الى ان كلّ شيء انتهى وذلك تمهيدا لتصفية الرجل في الثالث من كانون الاوّل – ديسمبر 2017.

حدث ذلك مباشرة بعد المهرجان الشعبي للذكرى الـ35 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام. بدل ان يبقى رجال القبائل في شوارع صنعاء، عادوا من حيث أتوا وتركوا علي عبدالله صالح وحيدا تحت رحمة الحوثيين اي "انصار الله". هؤلاء كانوا اجتاحوا صنعاء في الحادي والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 وتحولوا الى اسياد المدينة بعدما رفض الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي التصدي لهم وهم في محافظة عمران في طريقهم الى العاصمة.

نسج علي عبدالله صالح علاقات عميقة واقام مصالح مشتركة مع معظم قبائل الطوق، أي القبائل التي تتحكّم بمداخل صنعاء. لا يزال السؤال اللغز قائما الى اليوم: لماذا انحازت هذه القبائل الى الحوثيين؟ من الذي دفع ما يكفي من المال كي ينقلب موقف هذه القبائل منذ ما قبل وصول الحوثيين الى صنعاء؟

في الواقع، كان للحوثيين دائما وجود في صنعاء، لكن احتلالهم الكامل للمدينة لم يبدأ الّا في الحادي والعشرين من ايلول – سبتمبر 2014 في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مريبة في أساسها الحسابات الخاطئة لرجل اسمه عبدربّه منصور هادي قبل توقيع اتفاق معهم في صنعاء بعد ساعات من سيطرة هؤلاء على العاصمة.

من المفيد العودة الى ما حصل يوم 24 آب – أغسطس 2017 في صنعاء من اجل محاولة فهم ما يدور حاليا في اليمن، خصوصا في الجنوب. تأكد في ذلك اليوم انّ علي عبدالله صالح صار خارج المعادلة اليمنية وذلك لسبب واحد أساسي على الاقلّ هو ان لا قوات عسكرية ذات شأن ووزن في امرته.

لم يعد سوى ورقة حوثية استخدمت طوال ثلاث سنوات وصار لا بدّ من رميها لاعتبارات مرتبطة باحقاد شخصية لدى عبد الملك الحوثي على الرجل. من يتذكر خطاب زعيم الحوثيين، وهو خطاب تشفّ، مباشرة بعد تنفيذ جريمة اغتيال "الزعيم" في كانون الاوّل – ديسمبر 2017.

بدأت قصة تعرية علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2011. بدأها الاخوان المسلمون الذين نزلوا الى الشارع بحجة الوقوف مع تظاهرات "الربيع العربي". استكملها عبد ربّه منصور هادي بمشاركة الفريق علي محسن صالح الأحمر، نائب رئيس الجمهورية الآن الذي شارك في الانقلاب الاخواني عندما انشقت الفرقة التي كان يقودها وانضمت الى المعارك التي دارت داخل صنعاء من اجل اسقاط رئيس الجمهورية وقتذاك.

في اليوم الذي تخلّى فيه علي عبدالله صالح عن السلطة، يوم 27 شباط – فبراير 2012، بدأت عملية إعادة تنظيم القوات المسلّحة كي لا يعود لمن صار الرئيس السابق أي نفوذ لديه داخلها. كان التركيز على الحرس الجمهوري الذي كان بقيادة العميد احمد علي عبدالله صالح الذي عيّن سفيرا في دولة الامارات، كما أُبعد في الوقت ذاته عدد من العسكريين والضباط الأمنيين الذين كانوا ينتمون الى العائلة.

لا شكّ ان جزءا كبيرا من الصراعات التي دارت في السنوات التي سبقت الانقلاب الاخواني على عبدالله صالح والحروب الست مع الحوثيين بين 2004 و 2010، كانت على خلفية التوريث واعتراض علي محسن صالح والشيخ حميد بن عبدالله بن حسين الأحمر على احمد علي عبدالله صالح.

انتهى علي عبدالله صالح في 2012، قبل خمس سنوات من اغتياله باوامر من عبد الملك الحوثي. من بين اكبر الأخطاء التي ارتكبت في التعاطي مع ازمة اليمن الاعتقاد ان هناك حلفا قويّا بين الرئيس الراحل والحوثيين. لم يكن من وجود لحلف في يوم من الايّام.

هناك جريمتان في حقّ اليمن ارتكبتا في حقّ اليمن. اولاهما التخلّص من الجيش اليمني ومن الوية الحرس الجمهوري تحديدا والأخرى الاعتقاد انّ في الإمكان التوصّل الى اتفاقات مع الحوثيين، على غرار "اتفاق السلم والشراكة" في 2014 مباشرة بعد سيطرة سيطرة "انصار الله" على العاصمة.

ما نشهده اليوم في اليمن هو خريطة عسكرية وسياسية جديدة تقوم على سيطرة الحوثيين على شمال الشمال وعلى ميناء الحديدة مع جيب في تعز ووجود لما بقي من جيش "الشرعية"، وهو جيش الاخوان المسلمين في مناطق أخرى مثل مأرب او شبوة او بعض مناطق الجنوب.

لا يشبه التفكيك الممنهج للجيش اليمني سوى القرار بحل الجيش العراقي الذي اتخذ في العام 2003 بحجة ان الانتهاء من الجيش جزء من عملية "اجتثاث" لحزب البعث. انتهى الامر الى تحوّل العراق الى مستعمرة إيرانية والى سعي "الحشد الشعبي" الى ان يكون جيش المستقبل في عراق تسيطر عليه ايران.

في كلّ الأحوال، كان الحوثيون المستفيدون الاوّل من انتهاء الجيش اليمني، خصوصا الوية الحرس الجمهوري التي بقيت منها نواة تقاتل حاليا على جبهة الحديدة حيث جمود منذ فترة لا بأس بها... بمباركة الامم المتحدة.

بالنسبة الى الاحلاف على الأرض، ان الحلف الوحيد هو ذلك الحلف العميق غير المعلن الذي يربط بين "انصار الله" والاخوان المسلمين في الجنوب والشمال والوسط.

لم يكن المشهد الذي ظهر فيه علي عبدالله صالح في صنعاء قويّا يوم 24 آب – أغسطس 2017 سوى مشهد مزيّف. ما كتب للرجل قد كتب. من استثمر في قبائل الطوق التي تُستأجر ولا تُشترى، هو نفسه الذي استثمر في الاخوان المسلمين منذ فترة طويلة ونسج علاقات مع الحوثيين في موازاة الحروب التي كانوا يتواجهون فيها مع علي عبدالله صالح.

ما نراه اليوم ليس مشهداً يمنياً جديداً وما اتيت على ذكره في هذا المقال ليس دفاعا عن علي عبدالله صالح، الذي يصعب إحصاء الأخطاء التي ارتكبها. ليست هذه السطور سوى محاولة لوضع الامور في نصابها وتفسير لماذا لا توجد في الجنوب، في عدن، خصوصا وحتّى ابين، أي نوع من الثقة بـ"الشرعية" وقواتها التي لم تحقق أي تقدّم على أي جبهة ما كان مفترضا ان تحقّق تقدّما على الارض فيها...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي