No Script

رسائل في زجاجة

أم الدنيا

تصغير
تكبير

أم الدنيا... هكذا يطلق عليها لأن بها ما ليس في غيرها من الدول... هكذا كُتب على بوابات الدخول إليها قديماً: «يا داخل مصر منك ألوف»، وهذا يعطي دلالة على أن مصر بها كل الأطياف والمهن، فلا تغرنك نفسك بالمال أو الجاه أو العلم أو المعرفة أو النسب وأنت تدخل إليها.
كل هذه المقدمة هي نتاج دقائق مرت على ذاكرتي وأنا في الطائرة فوق الأجواء المصرية، وعند الهبوط وعيناي تبحثان شوقاً عن ذكريات مضت تفوق 35 سنة، عندما كنت مبتعثاً إلى المعهد القومي للبحوث الجنائية في إمبابة في السبعينات من القرن الماضي لمدة أكثر من عام، مر عليّ شريط الذاكرة بأماكن وأحداث وشخصيات قابلتها ومناطق كالدقي، حيث كنت أسكن هناك في فيلا مدام ماريا، والتي كانت تحب تربية البط، ونحن نحب أكلها بعد اصطيادها ليلاً، وراعي الروبابيكيا وعربات الخضار، ومنطقة العجوزة ومطعم نعمة للسندويتشات المشكلة، والزمالك والجاردن سيتي ذات المنازل والفلل الراقية بأسقفها العالية، ومقاهي المعادي التي تطل على نهر النيل حاملة المراكب والسفن بمختلف ألوانها وأشكالها وأضوائها الجميلة ليلاً مصحوبة بالأغاني الجميلة، وهناك من بعيد الجيزة وحديقة الحيوان الشهيرة وشارع الهرم، وما أدراك ما شارع الهرم ليلاً، حيث يقع على أطرافها التحفة العجائبية «أبو الهول»، والأهرامات - خوفو وخفرع ومنقرع - وغيرها ومنطقة سقارة التابعة لمركز البدرشين، حيث نركب الخيول من اسطبلات الهرم حتى سقارة من الفجر حتى طلوع الشمس، وبعدها المتعة هي الغداء في الهواء الطلق تحت العريش في مطعم أندريه للدجاج المميز والطحينة والخبز البلدي، وفندق شيراتون القاهرة والفطور المميز من عربة الفول والطعمية.
وكوبري قصر النيل وميدان سعد زغلول، وميدان التحرير، والمبنى الشامخ الذي به بعض الإدارات الحكومية ومن ضمنها إدارة الأحداث، حيث كنت أداوم هناك لفترة محدودة في أحد أقسامها وترى الكم الهائل من المراجعين والموظفين صعوداً ونزولاً، مروراً بشارع طلعت حرب ومبنى الخطوط الجوية الكويتية، حتى ترى التمثال الضخم الواقف أمامك، وهو عبارة عن تمثال طلعت حرب، ومن حوله عمارة يعقوبيان وعمر أفندي وصيدناوي ومقهى جروبي الشهير وسينما راديو، حيث تعرض الأفلام الأشهر، ومنطقة خان الخليلي والأزهر الشريف وحي السيدة زينب في القاهرة القديمة والجمالية والجلوس في مقهى الفيشاوي، و«نفس» من حجر الزغلول أو السلوم على أنغام أغاني أم كلثوم وسندويتشات الجبنة الرومي، وكباية الشاي كله بنصف جنيه.


حيث كنا نتعامل بالقرش صاغ والشلن والبريزة والتعريفة والمليم، وهي عملات كانت لها قوة شرائية في ذاك الوقت، وفي المساء الجلوس في كازينوات النيل والنهر والشجرة وهي ملاذ الأحبة والعشاق وزهور الياسمين وتجمع الأصدقاء على ضفاف نهر النيل، ذكريات طواها الزمن وبعثرتها أيادي البشر وغيرت بعضاً من ملامحها ودمر بعضها الكساد الاقتصادي.
فقد تغيرت بعض ملامح الأماكن والأسماء، وحتى أسماء بعض الفنادق تغيرت، ولكن لم تتغير نفوس وأخلاق وعادات أهل مصر، من حب الناس والإخلاص وكرم الضيافة والمعدن الأصيل.
اللهم احفظ الكويت وشعبها وأميرها وولي عهده الأمين... اللهم أمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي