No Script

أصبوحة

فُرصة لكي نهدأ

تصغير
تكبير

لم ندرك أن الزمن كان يجري بجنون في السنوات السابقة، حتى أتتنا هذه الجائحة المباغتة، فاضطررنا إلى إبطاء وتيرتنا وإيقاعنا في الحياة اليومية، ففي بداية الحجر المنزلي أتتنا نصائح شتى، من أشخاص في مختلف الاختصاصات، حول كيفية استغلال الوقت أو الفراغ إن جاز لنا التعبير.
وجميعهم أجمعوا على ضرورة وضع برنامج للاستفادة من الوضع الجديد، مثل الرياضة المنتظمة والتغذية الصحية والقراءة وكتابة اليوميات وممارسة الهوايات وغيرها، كل صاحب اختصاص أو اهتمام أدلى بدلوه.
إن استغلال الوقت بعمل أو نشاط، بحد ذاته مثير لقلق المسؤولية، والشعور بالضرورة أو الواجب علينا، هو دعوة لاستمرار عيشنا في الدوامة العقلية ذاتها، التي أخذتنا إليها الحياة خلال سنوات عمرنا، هذا يعني أننا لم نستفد من هذه الفرصة التي قد لا تتكرّر.


فمعظم الأصدقاء يضمنون أسئلتهم بسؤال يعتبرونه من المسلّمات مثل: «أظنك وجدتها فرصة ذهبية للكتابة»، فيكون جوابي دائماً: «بل وجدتها فرصة لعدم التفكير بالكتابة»، بل بالأحرى فرصة لعدم إلزام نفسي بأي شيء.
فلم تمر عليّ فرصة كهذه للجلوس مع نفسي، والتمتع بالإنصات إلى ذاتي وتهدئة الذبذبات السريعة والمتلاطمة في عقلي، كبحر حرّكته العواصف فتلاطمت أمواجه واضطربت، ثم هدأت العاصفة وسكن موج البحر فأصبح ماءً رائقاً.
لم أدرك أن الحياة تسرع في مرورها، وأن الزمن لا يعبأ بنا ويجعلنا نهرع معه ونلهث في سباق غير عادل، فتختلط الأفكار والمشاعر ككرة متشابكة ومعقدة الخيوط، وقد ينتهي العمر ولا تسنح لنا فرصة التعرف إلى أنفسنا الحقيقية، أو نفكك الخيوط المتشابكة خيطاً خيطاً.
لا أريد أن أكتب كواجب أو ضرورة، فإن كان هناك عمل يجب أن يخرج فسيخرج رغماً عن أي ظرف كان، وما أريده هو أن أبقى مع نفسي التي نسيتها وأهملتها، في خضم دوامة الحياة الصاخبة والعنيفة.
فإن أهدّئ وتيرة عقلي هي أمنية لا أحسب أني كنت سأحققها سابقاً، فأنا لست نداً للزمن فنحن راحلون وهو باقٍ، يأتي مَن يأتي ويذهب مَن يذهب، فطوبى لمن عرف نفسه وأعطاها حقها الذي تستحقه.
osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي