No Script

أصبوحة

الموهبة لا تُشترى

تصغير
تكبير

لا يمكن للإنسان أن يحقق مكانة أدبية أو فنية بمجرد الرغبة أو الطموح، بل هناك عوامل ومتطلبات للإبداع، منها الموهبة أو الاستعداد الفطري أو شبه الفطري، ومنها المثابرة في التحصيل سواء القراءة المستمرة، أو الاستزادة عن طريق الاستماع والمشاهدة، ثم بذل الجهود المضنية في التمرين أو اكتساب المهارة، ولا يمكن أن يحقق الإنسان مكانته الأدبية أو الفنية، في غياب أحد أو بعض هذه العوامل أو المتطلبات.
وعبر التاريخ انكشف زيف وادعاء بعض الأدباء والفنانين، ولم يستطيعوا إخفاء ضعف موهبتهم أو حساسيتهم الفنية، أو حتى سطحية تحصيلهم، فالادعاء لا يصنع الأديب أو الفنان، بل يقلل من احترام المتذوقين، أو النقاد الفنانين أو المتابعين الجادين.
ولا يستطيع أحد شراء الموهبة والقدرات الإبداعية، سواء بالمال أو عبر العلاقات، فكم من أديب أو فنان مدع، استكتب تجار النقاد أو المداحين، أو خالط المثقفين من الأسماء الكبيرة، كي يحصل على اعتراف بمكانته، إلا أن هؤلاء سرعان ما يكتشفون زيفه حتى وإن لم يقولوا له أو يصارحوه برأيهم، وكذلك أن يكون الأديب أو الفنان ثرياً لا يعني أنه مبدع حقيقي.
لكن كثير من المبدعين الحقيقيين، يبدعون ويعملون دون الالتفات إلى الشهرة، فما يدفعهم للإبداع كتابة أو فناً، هو تلبيتهم لحاجة داخلية جبرية، وليس لرغبتهم فقط، وكثير من هؤلاء المبدعين، لم يُعرفوا أو يشتهروا في حياتهم، لكن أعمالهم خلدت بعد مماتهم، ونعرف كثيرا من الممثلين المسرحيين والسينمائيين، وكذلك من الموسيقيين والأدباء، ماتوا وهم فقراء ومعدمون، وحصدوا احترام المتابعين والنقاد الحقيقيين بعد مماتهم.
وكذلك وصول الأعمال إلى العالمية، سواء عبر الترجمة أو غيرها، لا يتعلق الأمر بالاتفاق على الترجمة أو السعي إليها بكل الطرق، بل يتعلق بوجود فرصة لاطلاع العالم الخارجي من المهتمين، وهو من الأمور غير المتاحة بسهولة لدينا، بسبب الهوة بين عالمنا العربي والعالم الغربي، وهي من الأمور التي تحتاج إلى مبادرات من الأوساط الثقافية الرسمية.
وُلِد موتسارت في القرن الثامن عشر موسيقياً موهوباً، استطاع العزف بشغف وهو في عمر الرابعة، وقاد أوركسترا في سن السابعة، وكذلك ألف الموسيقى في سن صغيرة، وألف أول أوبرا في سن 13، كان من عائلة بسيطة وتوفي في سن 35، ولكنه أنتج أكثر من 626 عملاً موسيقياً.
وهذا ما أثار غيرة وحفيظة مواطنه الموسيقي أنتونيو سياليري، الذي كان يعزف في البلاط وقصور النبلاء، ولكن موهبة الشاب موتسارت فاقت مكانته، التي اشتراها بعلاقاته مع الملوك والنبلاء، وتآمر على موتسارت وحاول تخريب أعماله، وظلت نار الغيرة والحقد من موتسارت تأكله.
لكن موتسارت تغلب عليه المرض والفقر، فزاره سياليري متخفياً أو أرسل مندوبه، يعرض عليه تأليف قطعة موسيقية لقاء المال، على اعتبار أنها لسياليري، وبعد أن ألف جزءاً من المقطوعة، مات موتسارت من المرض، ولم يحضر جنازته أحد، ولكن ظلت شهرته متداولة عبر سنوات وقرون تالية، وهذا ما جعل سياليري يحاول الانتحار أكثر من مرة، فقد تفوق عليه موتسارت في حياته وبعد وفاته، بسبب موهبة لم يشترها.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي