No Script

دراسة لـ«الراي» تكشف «مكنون» سعي الحكومات لزيادة النوادي والرياضات الجماعية في الأحياء الشعبية

كيف تقلّص الرياضة... عدوى الإرهاب؟

تصغير
تكبير
• مجتمعات غربية استطاعت القضاء على ثقافة التطرف والإرهاب بتعزيز ممارسة الرياضة

• زيادة العنف في المدارس بسبب الخمول ومحدودية ممارسة الرياضة

• الرياضة تعزز السلم الذاتي في الفرد وتدفعه نحو السلوك الإيجابي وليس العدواني

• كثير من الملتحقين بالتنظيمات المتشددة كانوا يعانون من العزلة ولم تكن لديهم علامات التطرّف

• أولى العمليات الانتحارية في التاريخ نفذها مئات الطيارين اليابانيين بطائراتهم حين فجَّروا أنفسهم على أساطيل أميركية
ممارسة الرياضة بشتى أنواعها وخصوصاً الرياضات الجماعية، وفي مقدمها رياضة كرة القدم ورياضات التركيز الذهني مثل اليوغا والتعبير الجسماني والسباحة والرحلات الاستكشافية، أثبتت أن لها وقع السحر في امتصاص الميول الطبيعية للعنف والغضب لدى الشباب المتوقد بالحماسة والذي اندفع بعضه إلى الهرب والسفر إلى مناطق الصراعات من أجل تفجير طاقة سلبية ذاتية عبر التفنن في القتل أو التلذذ بالموت.

حيث بينت دراسة لـ«الراي» أن «تجارب آسيوية في اليابان والصين استطاعت عبر ترويج ثقافة ممارسة الرياضة يومياً انطلاقاً من البيت إلى المدرسة والعمل أن تحد من ميول الأطفال والشباب نحو ممارسة العنف، ووفق تقرير لموقع أميركي يدعى (بروجيكت أوركل) تسعى مدينة شيكاغو الأميركية أكثر مدن العالم خطورة نظراً لانتشار العنف بين شبابها إلى تعزيز ممارسة الأطفال للرياضة فرادى وجماعات منذ المدرسة لدور تمارين الرياضة في توليد الطاقة الإيجابية في الفرد التي تساعده على إيجابية التفكير وعدم التطرف وتقبله للآخر وعدم نبذه».

وبينت دراسات علمية ونفسية منها ما نشره موقع «أم كا بروجيكتس» العلمي أن تعزيز ممارسة الأطفال والشباب للرياضة يومياً وخصوصاً الرياضات الجماعية يعزز من السلوك الإيجابي ويقلص من مؤشرات العدوانية والعنف المتوافرة في كل شخص.

وفيما استطاعت دول آسيوية وأخرى تقليص ثقافة العنف بين شبابها، تعاني اليوم دول عربية كثيرة من استفحال سلوك العنف ورواج ثقافة تشجع على التطرف الذي يبدو أنه نجح في إثارة شغف شباب كثيرين يعانون من الفراغ والكسل ما يزيد سلبيتهم أكثر عندما لا يستطيعون تفريغ طاقاتهم في أنشطة مفيدة.

وانطلاقا من دراسة أرقام وإحصائيات تداولتها وكالات الأنباء عن زيادة أعداد المسافرين من الشباب العربي والغربي الملتحقين بالتنظيمات المتشـــددة من أجل ممارسة العنف في ميادين صراعات الموت في سورية والعراق وليبيا فقد تبين أن أغلب هؤلاء الشباب يأتون من مناطق فقيرة أو شعبية، وأن أعداداً قليلة جدا منهم هم من طبقة غنية، وكان القاسم المشترك بين خلفيات هؤلاء الشباب هو الميل للعنف علناً أو سراً، حيث تبين أن كثيراً من الشباب لم يكن أحد من ذويه يعلم ميوله الأيديولوجية التي بلغت ببعضهم إلى حد السفر تحت غطاء الجهاد، ومن ثمة يطلق بعض الشباب العنان لأنفسهم لممارسة العنف والتفنن فيه والذي وصل ببعضم إلى القتل بطرق بشعة غير إنسانية تفتقد إلى الرحمة.

وفسرت دراسة علمية سابقة نشرت على نشره موقع علمي «أم كا بروجيكتس» أن كل فرد بين البشر تكمن فيه طاقة سلبية يمكن تسميتها بالطاقة المظلمة هذه الطاقة يمكن أن يتحكم فيها الإنسان إذا حد منها بزيادة تشبعه بالطاقة الإيجابية، حيث إن أكثر الأنشطة الممتصة للطاقة المظلمة هي الرياضة التي تجعل الشخص يستمتع ويتعب في الوقت نفسه، كما تجعله يشرع أن له دوراً وخصوصاً رياضة الألعاب الجماعية ورياضة الفنون القتالية والتي على عكس ما يمكن توقعه تزيد نسبة السلم الروحي في الذات ما تجعل الميول للعنف في حدوده الدنيا.

لكن هل كل الدول العربية تتيح لشبابها تفريغ طاقتهم السلبية؟، وهل كل الأحياء الفقيرة متوافر فيها ممارسة الأنشطة الرياضية الجماعية؟، وهل هناك حث على ممارسة الرياضة أوالفنون؟

تشير إحصائيات سابقة أن نحو 86 في المئة من الكهول العرب لا يمارسون الرياضة، وأن الأطفال أيضا لا ينخرطون في رياضات جماعية بل هي رياضات اختيارية في أغلب الدول، وأن نسبة الخمول والسمنة تزايدت، إلى ذلك فإن نسبة عدم التركيز في الدراسة بازدياد مستمر، كما أن المؤشر في ذلك أظهر تراجع نسبة الذكاء العلمي لدى العرب، في الوقت نفسه فإن العنف في المدراس تزايد، وهذا ما يؤشر إلى منحى خطير قد يسمح بتغلغل فكر التطرف منذ النشأة.

ويبدو أن الحياة الافتراضية التي سيطرت على كثير من الشباب عبر إدمان الانترنت التي تروج تطبيقاتها المختلفة من ألعاب وفيديوهات ووسائل اتصال لثقافة الفرد القوي وتصور القوة في العنف وإظهار القدرة العضلية أكثر من العقلية، حفزت على ما يبدو مثل هذه الثقافة البعض للبحث عن أدوار بطولة في العنف داخل تنظيمات إرهابية.

ويمكن تفسير انحراف ثقافة القوة من قوة الإقناع إلى قوة الجسم ومنطق قوة العضلات والسلاح وهو رواج إقبال كثير من الشباب على رياضات عنيفة تمارس في القاعات وفي ميادين أخرى.

وقد بينت تصريحات شيوخ دين كثيرين أن ملتحقين بتنظيمات جهادية من الشباب لا تكاد أعمارهم تتخطى الـ17 إلى 20 عاماً ليست لديهم خلفية أو اطلاع ديني كافٍ عن فقه الجهاد والقتال ومعاملة الأسرى وطرق القتل، وإن بعضاً من المقاتلين يقـــتلون من أجل القتل فقط، وفي هذا الصدد عرض كثير من الشيوخ على غرار محمد حسان عدداً من الأمثلة لشباب حاورهم فلم يجد عندهم أي فقه عن الجهاد.

حيث إن مقاطع الفيديو التي جسدت مشاهد قتل مروعة وبأساليب مختلفة قام بها مقاتلون شباب أجانب ملتحقون بتنظيمات مختلفة في سورية والعراق وليبيا عكست بعضها شغفاً لممارسة العنف والتلذذ بالقتل، وبدا أن المبالغة في القتل أو الرغبة الجامحة في الموت تعكس ترسب طاقة سلبية في الفرد الذي نشأ في بيئة منعزلة عن المجموعة، وتتكون له مع السنوات ميول للانضمام في مجموعة تتقاسم معه نفس الماضي أو نفس الهموم أو نفس المشكلة، وهو ما يعزز إحساس التضامن الجماعي ويجذب العديد من الشباب الذي يعاني من قلة النشاط الإيجابي إلى الالتحاق بهذه المجموعات المتضامنة مع أفرادها والتي توفر أنشطة لتفريغ الطاقة السلبية لكن عبر إطلاق العنان للقتل الذي قد يجعل بعض المقاتلين يشعرون بالنفوذ المفقود في دولهم.

هذه الأفعال حسب دراسات نفسية تعكس تراكم طاقات طبيعية في أي إنسان من دون استغلالها في أنشطة مفيدة لتتحول عند البعض إلى كبت مميت يتم تفريغه في أفعال وحشية صادمة.

كما إن انتقال ممارسة الهوايات وصولاً إلى الأنشطة الرياضية من الشكل الجماعي عند أغلب الشباب إلى الشكل الفردي كان بسبب سيطرة ثقافة المتعة بأقل جهد، وهي التي يقدمها الإنترنت عبر تطبيقات التسلية التي تتيحها على أجهزة وسائل الاتصال الترفيهي، ما جعل الميول تميل إلى العزلة أكثر من المشاركة الجماعية للأنشطة الترفيهية على أرض الواقع، وهذا ما عزز إحساس البعض بالمتعة الفردية أكثر من المتعة الجماعية، ودفع إلى عدم الإحساس أكثر بقيمة التواصل الجماعي، وأصبحت هناك نزعة فردية ساهمت في نمو سلوك العدوانية والاستهتار بالحياة البشرية، وتُرجمت هذه الميول في كمية خطابات الكراهية وألفاظ الشتائم على وسائل الإعلام الإلكتروني والدردشة، وهذا العنف الافتراضي إذا تشبع من الفرد فانه يريد نقله إلى الواقع، وهذا ما يفسر سلوك بعض المقاتلين وليس كلهم عرباً وأجانب يقدمون إلى ميادين الصراع وكأنهم أبطال ألعاب إلكترونية يبحثون عن البطولة غير آبهين بأبعاد ما يقومون به وهل يشفي غليلهم ويحقق اكتفاءهم من متعة الحياة أم لا؟

ممارسة الرياضات الجماعية والتي تعتمد على التركيز والمشاركة في أنشطة عززتها دول آسيوية في السابق للتخلص من رواج ثقافة الميول إلى العنف الذي ينتشر بين شريحة الشباب أكثر من أي فئة، وفيما تعاني أغلب الدول العربية اليوم من تداعيات انتشار ثقافة الميول إلى العنف والتطرف وصولاً إلى ممارسة الإرهاب، يبدو أنه بات من الضــــروري تعزيز نشر ثقافة ممارسة الرياضة والفنون ابتداءً من الأسرة والمدرسة والجامعة والنوادي وتعزيز المنشآت الرياضية خصوصاً في الأحياء الفقيرة حتى يتم ضمان أكثر نسبة مشاركة من الشباب في هذه الأنشطة إذ إن تفريغ الطاقة السلبية في الرياضة يضمن حسب دراسات مختلفة توافر أكبر قدر من الإحساس بالسلم الذاتي والجماعي والذي يفرز طاقة إيجابية تؤثر بشكل كبير على نمط السلوك الفردي وتحد من ميله للوحدة والتطرف والعنف وتزيد من حبه للحياة.

ويؤدي الإحساس بالخمول وعدم ممارسة نشاط رياضي ضمن المجموعة إلى ترسب طاقة سلبيـــة في الفرد، كما أنها تدفعه إلى الشعور بالاكتئاب والعزلة، وقد اندفع بعض الشباب حسب بيانات وزارات الداخلية في دول عربــــية مثل تونس والمغرب ومصر إلى الهرب من أسرهم للالتحاق بتنظيمات متشددة. والغريب في الأمر أن كثيراً من الشباب الملتحق بهذه التنظيمات لم تكن تبدو عليه علامات التطرف بقدر مؤشرات العزلة والهدوء حسب شهادات بعض ذوي مفــــجري أنفسهــــم من الشــــباب.

وبينت دراسة أعدتها «الراي» انطلاقاً من البحث في تاريخ المجتمعات الآسيوية في اليابان والصين خصوصاً كيفية تحول السلوك الفردي في هذه الدول من الميل إلى العنف في العشرينات إلى نهاية الأربعينات مع الحرب العالمية الثانية إلى التغير الكلي اليوم وتبني سلوك الانضباط والإيجابية على الرغم من مشاكل متراكمة تشهدها هذه البلدان المكتظة بالسكان.

مشاكل حفزت الشعوب الآسيوية على التفكير في حلول لها، وأصبح الوعي الجمعي في هذه الدول لا ينتج فكراً متطرفاً على الرغم من الوفرة السكانية بالمقارنة بما تنتجه اليوم دول العربية وأخرى غربية من تطرف على مستويات مختلفة فكرية ودينية وصلت إلى حروب أهلية أذكاها ميل قوي جداً لدى شريحة واسعة من الشباب إلى ممارسة الطاقات السلبية وتجسيدها في العنف ونبذ الآخر وصولاً إلى حب الموت.

وتجدر الإشارة إلى أن أولى العمليات الانتحارية التي رصدت في التاريخ بدأت في اليابان مع خروج مئات الطيارين اليابانيين بطائراتهم وتفجيرهم لأنفسهم على أساطيل أميركية، هذا السلوك الذي نجده اليوم في دول عربية لم يعد له أي أساس في المجتمع الأصفر الذي أصبح نسبة كبيرة من شعبه يميل إلى ثقافة العمل وحب الآخر والابتكار.

لكن الوصول إلى هذه الإيجابية مهدت لها ثقافة دامت لأكثر من نصف قرن شجعت عليها الحكومات وتمثلت في التحفيز على ممارسة الرياضة وخصوصاً الرياضات التقليدية التي تتمثل في رياضات التركيز الذهني التي تخلص الجسم من كل الطاقات السلبية حيث توجد مدارس لهذه الرياضات منتشرة في كل القرى والمدن بالإضافة إلى وجود أماكن لممارسة الرياضة في البيت وفي المدرسة والجامعة والعمل ما يجعل طاقة الفرد إيجابية لقدرة ممارسة الرياضة العالية على امتصاص الطاقة السلبية التي إذا تركزت في الفرد تحولت إلى طاقة عنف واكتئاب تصل إلى حالات نبذ للحياة وعدم التفكير واليأس.

وعولت الحكومات الصينية واليابانية والهندية على ثقافة ممارسة الرياضة الهادئة لتحويل شعوبها إلى شعوب فاعلة وإيجــابية تماماً، وقد وجدنا هذه الثقــــافة مترسخة أيضاً في دول جنوب أميركا مثل البرازيل والأرجنتين لكن بشــــكل آخر تمثلت في رواج ممارسة الرياضــات الجماعية، وهي لعبة كرة القدم التي لا يكاد حي فقير يخلو من ملعب ترابي يمارس فيه الفتية هوايـــتهم المفـــــضلة التي تعزز لديهم أواصر التعاون والتضامن بدل التطرف.

ومن الواضح اليوم حسب جنسيات الملتحقين الأجانب بـ«داعش» على سبيل المثال أن دول الصين واليابان والهند على الرغم من وفرتهم العددية إلا أنها تعتبر أقل الدول المصدرة للإرهابيين، وهذا ما يمكن ربطه بثقافة السلم الاجتماعي التي تعتبر ممارسة الرياضة الروحية والعضلية والجماعية أهم روافدها. فإلى متى ستنتظر الحكومات العربية تكاثر عدد المتطرفين كي تبدأ في تعزيز ثقافة الرياضة في الأسرة والمدرسة والجامعة كمادة أساسية؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي