No Script

مثقفون بلا حدود

الرباط والمرابطة... تغيرات دلالية ( 2 من 3 )

No Image
تصغير
تكبير

الرباط: الفؤاد كأن الجسم ربط به. رجل رابط الجأش وربيط الجأش، أي شديد القلب، كأنه يربط نفسه عن الفرار بجرأته وشجاعته، وهو من يربط نفسه عن الدنيا، هذا ما جاء في معجم لسان العرب. ويفسر العلامة محمد بن يوسف الوهبي الأباضي المصعبي، في تفسيره «هيمان الزاد إلى دار المعاد»، يفسر قوله تعالى: (وربطنا على قلوبهم...) الكهف 14، أي: قوّينا قلوبهم بالإيمان والتثبيت والصبر على مفارقة الوطن والأهل والمال والعيش الأنعم وعلى إظهار الحق أ.هـ.
والرابطة: هي الوصلة والعلاقة؛ الوصلة هي رابطة متينة من المعدن، العلاقة: ما يربط بين أبناء العائلة الواحدة أو أهل الوطن أو المهنة، رابطة القرابة، رابطة الدم، الرابطة القومية، الرابطة الأدبية، رابطة الكتاب، جاء ذلك في معجم اللغة العربية.
ما بين المرابطة والخَلوة: ذكرنا آنفا أن المرابطة هي ملازمة الشيء، إما أن يكون هذا الشيء إيمانيا أو قتاليا، كما أن المرابطة قد يقوم بها شخص واحد ويطلق عليه (مرابط) أو أشخاص عدة مجتمعين ويطلق عليهم (مرابطون)، أما الخلوة فهي العزلة حينما يختلي الإنسان بنفسه، وهي تختص بشخص واحد يعتزل الناس إلى مكان بعيد عن الأنظار، ويتصف هذا المكان بالهدوء، ليتحقق لصحاب الخلوة صفاء الذهن، ومراجعة النفس بتأن، وتدبر ما في الكون، ولربما تفكـّر الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء يعد خلوة، وجمع خلوة على خلوات مخصوص بالأوقات وليس بالمكان، وشاهدنا ونحن في السودان مقر عملنا، أنها تجمع على خلاوي وهي مخصوصة بالمكان، وتجمع الخلاوي عدداً كبيراً من طلاب العلم وحفظة القرآن منذ الصغر، والخلاوي هي مكان للمبيت ومقر الدراسة الدينية، ومسجد للصلاة. والفرق بين (الخلاوي) و(الزوايا)، فإن الزوايا توسعت أكثر في عملها وأصبحت تهتم بالشؤون الاجتماعية لأهل القرية أو البلدة.
ويذكر لنا الباحث الجزائري عبد الباقي مفتاح، في كتابيه الأول (نظرة الأمير عبد القادر إلى الآخر - فارس الإيثار وأمير المعرفة) والإصدار الآخر (كتاب المواقف)، ذكر لنا بأن محمد وهو ابن الأمير عبد القادر الجزائري قال عن أبيه:«إنه دخل المدينة المنورة في 26 رجب 1280هـ، ونزل محلا لصيقاً بجدار المسجد، وهو في الأصل بيت سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وله (خوخة) في المسجد، وهي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (كل خوخة في المسجد تسد إلا خوخة أبي بكر)، فانقطع الأمير في ذلك المحل المبارك مدة شهرين فقويت معارفه»أ.هـ.
الجميل في الأمر هنا أننا أضفنا إلى (الرباط) و(الزاوية) و(الخلوة) مكاناً آخر أضفى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حرمة وقدسية وهذا الموضع أو المكان يسمى (الخوخة)، والخوخة في المعجم العربي هي: كوة في البيت تؤدي إليه الضوء، وباب صغير وسط باب كبير نصب حاجزا بين «دارين» أ. هـ.
- المصدر: كتابنا (الرباط والمرابطة) 2011، دار الجائزة للنشر.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي