No Script

ببساطة

رسائل من اعتصام القروض

تصغير
تكبير

تابعت - مثلما تابع العديد من المهتمين بالشأنين السياسي والعام - الاعتصام الذي دعت إليه مجموعة من المواطنين في ساحة الإرادة للمطالبة بحل لأزمة القروض، وبعيداً عن موقفي من القضية أو من الحلول العاطفية غير الواقعية التي يطرحها البعض، أو حتى بعض المقترحات الواقعية، إلا أن هناك أمورا عدة لفتت انتباهي في ذلك الاعتصام وحفزتني لكتابة هذا المقال.
أولها التفاعل الشعبي الكبير مع القضية - التي تصدر وسمها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لأكثر من خمسة وسبعين يوماً - ثم الحضور الكبير «نسبياً» في ساحة الإرادة؛ التي لم تشهد حضوراً جماهيرياً «بهذا الحجم» منذ سنوات، كذلك الغياب التام لأعضاء مجلس الأمة عن ذلك الاعتصام، واكتفاؤهم بالتصريح عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
تلك المشاهد يجب ألا تمر مرور الكرام فيتم تجاهلها والتغاضي عنها، بل يجب أن تتم دراستها وتحليلها جيداً، فالسياسي عليه أن يستشرف المستقبل من خلال تحليل الواقع، ويضع الحلول بناءً على ذلك التحليل والاستشراف، بحيث لا تتفاقم تلك المشاكل مستقبلاً، فالتفاعل «المستمر» مع القضية، والحضور الكبير «نسبياً» في ساحة الارادة - ذات الطابع السياسي - لم يكن وليد الصدفة، إنما هو انعكاس لواقع يعيشه مجتمعنا ويعاني بسببه.


هذا الواقع الذي نعيشه يؤكد بأننا قد دخلنا في مرحلة باتت فيه قضية المستوى المعيشي هي القضية الأولى للمجتمع، فبعد أن كانت قضية الاستقلال والتحرر الوطني هي قضية الشعب في الخمسينات وبداية الستينات، وقضية استكمال الديموقراطية متصدرة منذ منتصف الستينات حتى بداية الثمانينات، وقضايا الحريات بعد ذلك... وأخيراً قضايا الفساد في السنوات العشر الأخيرة، نجد تلك القضايا قد تراجعت في قائمة القضايا المهمة لدى المواطن، لتحل محلها قضية المستوى المعيشي للمواطن الكويتي، الذي بات يدرك أن الحكومة لم تكن جادة في أي مشروع أو قضية مثل جديّتها في «إنهاء» دولة الرخاء والتضييق على المواطن بشتّى الطرق لتعويض العجز في ميزانية الدولة، فها هي قضية تضخم حسابات بعض النواب في المجلس الحالي تثار دون أي تفاعل شعبي يذكر، وقبلها العديد من القضايا المرتبطة بالأزمة السياسية التي لم تجد تفاعلاً مثل هذا التفاعل مع قضية القروض.
نأتي الآن إلى عدم مشاركة النواب في هذا الاعتصام، فالرسالة التي وجهها منظمو الاعتصام بعدم رغبتهم بمشاركة النواب في تلك الفعالية تحمل العديد من الدلائل، أهمّها أن الشارع فقد الثقة في المؤسسة البرلمانية، ومثل هذا الأمر ما كان ليحدث لو أن النواب استخدموا البرلمان كوسيلة لتشكيل الرأي العام، فالأساس في العمل السياسي هو قيادة الطليعة السياسية للرأي العام وليس العكس، وهذا ما كنت أؤكد عليه في العديد من مقالاتي السابقة، فالأدوات البرلمانية فقط لا يمكن أن تغير شيئا في ظل ميزان القوى الحالي، بينما استخدام البرلمان كوسيلة لتشكيل رأي عام ضاغط قد يؤدي لتحقيق بعض المكتسبات الشعبية، وهذا ما تم سابقاً في برلمانات لم تكن تشكل فيها المعارضة الوطنية غالبية جدية بل كانت تمثل أقلية ومع ذلك استطاعت حينها كسب الرأي العام وتحقيق مكتسبات مهمة منها تأميم النفط، ورفض التنقيح الحكومي للدستور عام 1983، ورفض خصخصة قطاعات التعليم والصحة والنفط عام 2010.
نهاية، إن القضية الاجتماعية أو القضايا المتصلة بمستوى المعيشة، أصبحت تتصدر المشهد السياسي في العديد من البلدان حول العالم وليس في الكويت فقط، وهو أمر طبيعي في ظل أزمة النظام الرأسمالي، أما بالنسبة لقضية القروض، فيجب أن يكون هناك حل شامل للقضية، بدءاً من تعريف المعسرين والمتعثرين، وصولاً لايجاد بدائل لصندوق المعسرين الذي أثبت فشله، كشراء الدولة لقروض الأفراد بمعدل متوسط قيمة القروض وإعادة جدولتها، بحيث يكون اختياريا ومتاحاً لجميع المواطنين، نهاية بتحسين وتطوير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان، التي كانت ولا تزال سبباً رئيسياً لاقتراض المواطن ومعاناته، وهذا الاعتصام بهذا التفاعل والحضور يكشف لنا تبدلاً جدياً في اتجاهات الرأي العام وحراك المجتمع... والشاطر يفهم!

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي