No Script

علماء نفس واجتماع أكدوا عبر «الراي» أن «السوشيال ميديا» سبب تراجعها لبثها روح الحزن والغضب في النفوس

«سمعت آخر نكتة؟»... عبارة تغيب في مصر

تصغير
تكبير

سميح شعلان: النكتة عند المصريين صيغة ثقافية يستطيعون بها التعليق على الظروف والأحداث والمواقف والعلاقات بصورة ساخرة

إنشاد عزالدين: الأزمات ومحاولة تعكير صفو حياة المصريين قلبت الحال رأساً على عقب 

جمال فرويز: استخدام النكتة في «السوشيال ميديا» أحياناً في أوقات غير مناسبة للموقف نتاج المسخ الثقافي 

محمد المهدي: كثرة المشاغل السبب الرئيسي خلف تعثّر النكتة

النكتة جزء أصيل من تراث الشعب المصري، فهو معروف بخفة دمه، وتفجيره للمواقف المضحكة حتى في أحلك الظروف والمواقف، لذلك عُرف بأنه «شعب ابن نكتة».
لكن هذا التراث المصري، اهتز عرشه وتراجع قليلاً في ظل هموم الحياة وضغوطاتها، وتقدمها المتسارع في آن معاً... فمقولة «سمعت آخر نكتة» التي كانت تتردد دائماً على ألسنة المصريين لم تعد تلازمهم، وهو ما نغوص في البحث عن أسبابه.

اضحك للدنيا تضحكلك
يؤكد باحثون وأساتذة علم اجتماع لـ«الراي» أن ارتباط المصريين بالضحك والسخرية قديم وتاريخي، فهي الفلسفة والسلوك البسيط الذي سمح لهم بالتنفيس عن أمورهم الحياتية ومشاكلهم اليومية بأسلوب فكاهي مكّنهم من تفريغ شحنات سلبية داخلية حافظت على بساطة طباعهم وصفاء نفوسهم والتغلب على الضغوط التي تواجههم، حتى أنها أصبحت مصدراً للتفاؤل، على وزن «اضحك للدنيا تضحكلك».
وقالوا إن المجتمع المصري اشتهر بالروح المرحة، والطيبة، وإسقاطاته الفكاهية لتبسيط أصعب الضغوط في كل المواقف مكّنته من المضي في الحياة بسلاسة. فالمصري خفيف الظل ويحب الضحك، فما أن تقابل أحدهم قادماً من «أم الدنيا»، حتى تجد كل من حوله ينتظرون للاستماع لـ«آخر نكتة»، سياسية كانت أو اجتماعية، أو إسقاطات على أمور حياتية، آخرها انتشار فيروس كورنا.
ولفتوا إلى أنه مع تغير نمط الحياة وتغير ثقافة الأجيال تراجعت النكتة بمفهومها القديم وتطورت ليحل محلها «الكوميكسات» و«التغريدات» و«التدوينات» على «السوشيال ميديا» التي حلت بدلاً من اللقاءات الحميمية المباشرة وتجمعات الأهل والأصدقاء.

«ابن نكتة»
فبعد أن كان المصري الذي عرف عنه «ابن نكتة»، ويبدع في كيفية تفجيرها، وأصبحت أحد أبرز معالم المرح والروح الإيجابية المميزة له على مر التاريخ، إلا أنه في الآونة الأخيرة لاحظ الكثيرون أن هناك تراجعاً ملحوظاً لـ«النكتة» بشكل عام، رغم أن المتعارف عن المصري سخريته من كل شيء... حتى في أشد لحظات ضعفه وانكساره، عادة ما يفلسف حياته بالضحك ويكسوها بالسخرية، ولكن يبدو أن هناك لوناً فنياً جديداً يحاول إزاحة عرش النكتة بعض الشيء، وهو «الكوميكس» المنتشر على «السوشيال ميديا»، و«التعليقات والتدوينات والتغريدات» ويحاول أن يكون بديلاً عن النكتة التقليدية.

حكمة التجربة وخلاصة الفهم
عميد المعهد العالي للفنون الشعبية السابق الدكتور سميح شعلان قال لـ«الراي»: «لم تختف النكتة عند المصريين، لأنها صيغة ثقافية يستطيعون بها التعليق على الظروف والأحداث والمواقف والعلاقات بصورة ساخرة تدعوهم إلى التجاوز عن كل ما يؤرق الحياة، ويضحكون بها على الدنيا وما فيها، ومن فيها لعلها تضحك لهم، وهي سر من أسرار الاستمرار والاستقرار من دون معوقات أو منغصات، وهي حكمة التجربة وخلاصة الفهم، والتي تمكن بها المصريون من التصالح مع الحياة عبر جسر المرح الذى يدعو إلى البهجة، فيؤكد الرضا والقبول».
وأضاف «لعل تراجع تعبير الناس الجمعي، ليحل محله إبداعات وسائل الاتصال الحديثة، مثل: الراديو والتلفزيون والمسرح والسينما ساهم في تلبية حاجات الناس الملحة للبهجة، وساهم في تقلص المنتج الإبداعي الشعبي لحساب ما تنتجه تلك الوسائل من إبداعات تستعين بكافة أساليب الإبهار التي تساعد على انتشارها والاستسلام لها في تلبية الاحتياجات البشرية في كسر الملل والرتابة، غير أن النكتة لا تزال تقاوم بكل قوة ولا يزال أصحابها يستحضرونها في مواقف كثيرة تسمح بوجودها».

تعثّر... وليس اختفاء
أما أستاذ علم الاجتماع في جامعة المنوفية الدكتورة إنشاد عزالدين، فقالت «النكتة المصرية، كانت وما زالت ميزة يتحلى بها الشعب المصري والأجيال تتوارثها، لكن الأزمات والانشغال والانخراط في مناحي الحياة المختلفة كلها، تتسبب في تعثر، وليس اختفاء ضحكة المصريين»، مشيرة لـ«الراي» إلى أن «الأزمات التي تمر بها مصر والمصريون، ومحاولة تعكير صفو حياتهم، من أوبئة مثل كورونا، التي قلبت الحال رأساً على عقب في العالم أجمع وكذلك المشكلات الداخلية، ألهت المصريين عن الفكاهة و(الهزار) إلى حين، وسرعان ما تعود النكتة، ومع هذا فهناك مزحات كثيرة أبدعها أهل مصر في أزمة كورونا».

«السوشيال ميديا»
والأخبار السلبية
وحمّلت أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس الدكتورة سالي عبدالسميع، «السوشيال ميديا» والأخبار السلبية التي تبثها كل يوم، أسباب تراجع النكتة، وقالت: «هذه الوسائل لها دور كبير في بث روح الحزن والغضب داخل نفوس المصريين، وهو ما جعلهم لا يفكرون في الفكاهة أو إسعاد أنفسهم».
وأضافت لـ«الراي»: «الأجيال الحالية تمر بأوقات صعبة، مثل التي نعيشها الآن، وهي ما تجعلنا نسعى للسخرية منها، وبعد كورونا على سبيل المثال فقد المصري إحساسه بالضحك... فبعد أن كان المصريون أكثر الشعوب استخداماً للسخرية والهزل والفكاهة في كثير من الموضوعات من الحياة اليومية، أصبحوا منغمسين في مشكلاتهم ومحاولة حلها وليس بالسخرية منها».

سلاح التعبير
وقال استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز: «الشعوب تستعمل النكتة كسلاح للتعبير عن الفرحة والتمرد والرفض للواقع ومهاجمة العدو ودعم الصديق، لذا سمي (شعب ابن نكتة)، أي حاضرة معه في كل الأحوال».
وأشار لـ«الراي»، إلى أنه «يتم استخدام النكتة في السوشيال ميديا أحياناً في أوقات غير مناسبة للموقف، وهذا نتاج المسخ الثقافي الذي نحن عليه، فلم نعد نستطيع التفرقة بين الجد والهزل، وبين الجو العام والجو على مواقع التواصل التي أصبحت عبئاً على كثيرين، ما قلل من متابعتهم له أو إغلاق مواقعهم».

خفة الدم وضغوط الحياة
واعتبر استشارى الطب النفسي الدكتور محمد المهدي، أن كثرة المشاغل هي السبب الرئيسي خلف تعثر النكتة وليس اختفائها، قائلاً لـ«الراي»: «اختفاء نكتة المصريين خلال الأعوام الماضية، نظراً لكثرة المشاغل والصعوبات الخاصة بالحياة التي واجهت كثير من الأشخاص، وأصبح الكثير يلجأ إلى السوشيال ميديا، كصناعة لكل نكتة يريد نشرها، وكان تأثيرها قوياً للغاية نظرا لوجود عدد كبير من المتابعين».
وأضاف «تتأثر نكت المصريين بجميع أحوال حياتهم اليومية، لذلك نجد أنها تكون مرتبطة بكافة ما يحدث في حياتهم العملية، ويتميز الشعب المصري أنه خفيف الدم ويكون قادراً على ابتكار عدد من النكت، لكي يعيش حياة سعيدة بشكل مستمر».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي