No Script

الرأي اليوم / رسالة إلى محمد الصقر

No Image
تصغير
تكبير

مع تزكية محمد الصقر رئيساً لها، تجدّد غرفة تجارة وصناعة الكويت شبابها، ليس على الصعيد العمري فحسب بل على مستويات الرؤية وإرادة التغيير والتطوير والحداثة ومواكبة المتغيّرات المحليّة والإقليميّة والعالميّة، فعندما نادينا بضرورة تعديل قوانين «الغرفة» وتحديثها بما ينسجم مع متطلّبات مرحلة لن تنفع معها آليات عمل قديمة، كنا نمهّد الطريق للقائد القادم بأخذ المبادرة والإقدام ووضع البصمة الصحيحة في مكانها الصحيح.
محمد جاسم الصقر، أو «الجار العزيز» كما تحلو لي مناداتك، أنت في مكانك الطبيعي اليوم، تخلف الكبير علي الغانم الذي أعطى المنصب ما أعطاه من جهد وخبرات وعلاقات، ولم يتوقّف يوماً رغم تعب الجسد عن بذل المزيد من العمل لإعلاء شأن هذا الصرح الكبير.
وأنت امتداد للكبار الذين تسلّموا دفّة هذه السفينة مكرّسين هويّة الكويت الاقتصاديّة والتجاريّة، من عبد العزيز الصقر إلى عبد الرزاق الخالد وسعد الناهض.


وأنت أول من يتولّى هذه المسؤولية من الجيل الثاني، وهذا ما سيُثقل كاهليك بأعباء جسام، تستلهم الخبرة والحكمة والرؤية ممن تعتبرهم قدوة لك لكنك في الوقت نفسه مضطر لأن تكون رجل التغيير بعدما كثرت التفاصيل تحت المظلّة الأم، مثل دخول آلاف الشباب ميدان التجارة، وقصور بعض القوانين الموجودة عن مسايرة متطلّبات العصر، وتخلّف التعاطي الحكومي مع الغرفة على مدى عقود، وعداء بعض من في المؤسسة التشريعية لها، ونظرة بعض المواطنين لها من زاوية الريبة، وأخطاء بعض أبناء الغرفة الطارئين على الميدان إما لقصور أو لغياب الضوابط القانونيّة... كل ذلك كاد يحوّل الغرفة إلى منبر شرفي تكميلي في اللقاءات البروتوكولية والرسمية بينما المطلوب أن تكون هي قلب الاقتصاد النابض والمنصّة التفاعلية للحياة التجاريّة والمطلق الأول للمبادرات واقتراحات القوانين في كل ما يتعلّق بدورة المال والاستثمار والمشاريع.
وأنت أول من يتولّى المسؤولية، والكويت والإقليم والعالم في قلب حرب عالميّة حقيقيّة. فيروس لا يُرى بالعين المجردة صار العامل الأول في النزيف اليومي البشري والمالي والتجاري وكل مناحي الحياة. تحطّمت حدود وانكفأت دول وانهارت اقتصاديات وانكشفت أمم عظمى على وهن وضعف. تتولّى المسؤولية وسعر برميل النفط المغذّي الرئيسي لخزينة الدولة يقترب من سعر إنتاجه، والقطاعات كلّها تقريباً في دائرة التجميد، والشركات في خطر الإفلاس، ومساحات العاطلين عن العمل تتّسع باضطراد.
... باختصار، أنت اليوم رئيس غرفة تجارة في بلد مشلول اقتصادياً، والأزمة الحالية ضربت الجميع بلا استثناء من أكبر تاجر إلى أصغرهم، ولا بدّ أن يتمحور جهدك حول أمرين: تحصين الغرفة حالياً للصمود والمساهمة ما أمكن في دعم الجهد الوطني العام، ثم تقديم رؤية لغرفة ما بعد الأزمة على قواعد جديدة حديثة تأخذ في عين الاعتبار احتمالات التعاطي مع أي «قوّة قاهرة» مقبلة، وتفعّل دور الشباب ومشاريعهم صغيرة كانت أم كبيرة، وتنتزع حقوقاً أكبر لهذه الفئة التي تشكّل عماد الاقتصاد والدورة الاجتماعية عموماً.
وأنت أوّل من يتولّى رئاسة الغرفة وهو القادم من سلطتين، الثانية والرابعة. الإعلامي المدرك لأهمية «الميديا» بكل أنواعها في لعب الدور المحصّن للحرّيات والديموقراطية ومواكبة الحالة الوطنية العامّة والاستقرار المشجّع على العمل والاستثمار... والبرلماني المدرك لأهميّة الرقابة والتشريع وإصدار القوانين الفاعلة الكفيلة بتطوير الاقتصاد وإرساء مناخات جاذبة للرساميل والمشاريع وحركة التجارة. وإذا أضفنا إلى ذلك خلفية التدرّج من عائلة مشهود لها بالعمل التجاري تاريخياً فأنت في نظر كثيرين «الجامع» لمتطلّبات المرحلة.
تبقى كلمة أخيرة أردتها، ويريدها جميع الكويتيّين على اختلاف آرائهم مسك الختام، وهي تتعلّق بالمرحوم العم عبد العزيز الصقر الذي كنت وما زلت تعتبره يا أبا عبد الله ملهمك وقدوتك، فالرجل حفر اسمه في تاريخ الكويت السياسي والوطني في مختلف المجالات، لكنه رحمه الله، عندما يذكر فإنما يذكر بصفته رئيساً لغرفة التجارة الذي كرّس الرؤية التنموية في مختلف برامج السلطة المتعاقبة وفرض تالياً هذه الرؤية على مناحي الحكم لجهة الليبيرالية والحريات الاقتصادية والسياسية.
كان رحمه الله رئيساً لأول مجلس أمة وعضواً في المجلس البلدي والمجلس التأسيسي ووزيراً للصحة، كما ساهم في تأسيس بنك الكويت الوطني والخطوط الجويّة الكويتيّة وشركة ناقلات نفط الكويت وشركة السينما الكويتية وغيرها... لكن التاريخ (وما تتناقله الأجيال عند ذكر اسمه) يتوقّف بشكل أساسي عند ترؤسه لغرفة التجارة مدة 36 عاماً.
فلتكن رئاستك للغرفة يا أبا عبد الله مرحلة تأسيسيّة جديدة لها، فأيامنا غير أيام الكبار الذين أداروا دفّتها والمتغيّرات تطولنا من كل حدب وصوب، وإن لم نبدأ بتعديل وتغيير وترميم البيت الداخلي فلن نتمكّن من مجاراة الكبار خارجيّاً على قاعدة الندية... رغم أننا كنا روّاد هذا المجال يوم لم تكن أمم كبرى قد ولدت بعد.
عساك عالقوة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي