No Script

«الراي» تفتح ملف العالقين بين الحياة والموت في انتظار حسم مصيرهم

الموتى «حائرون»... مَنْ يُعلن وفاتهم؟

تصغير
تكبير

اختلافات شرعية وطبية بشأن قضية... «متى يموت الإنسان؟»

عيسى زكي:


كلمة السر في جذع الدماغ وإذا توقف اعتبرنا أن هذه حالة وفاة

- حركة القلب والرئتين بعد موت جذع المخ لا تعتبر علامة حياة

- الخلاف انتهى لكن هذا لا يمنع أن بعض المشايخ يخرج عن هذا الإجماع لأن الاجتهاد مقبول

سعاد صالح:


الموت عند الفقهاء خروج الروح من الجسد وهذا ما نص عليه القرآن

- الرأي الطبي يقوم على الإتجار بالبشر لأنهم يستفيدون من العائد المادي لاستخدام المريض للأجهزة

- أعارض استخدام الأجهزة لإطالة عمر شخص لأن هذا الأمر يعد تعذيباً لأهل الميت

أحمد الحجي الكردي:


لا يعد الشخص ميتاً إلا إذا توقف قلبه ورئتاه عن العمل وقال الأطباء إنه لا عودة لها

- الموت الدماغي لا يعد موتاً لأن الإنسان قد يموت دماغه ويبقى حياً سنة أو سنتين

- الميت دماغياً لا يرثه أهله إلا بعد موته النهائي وهناك فتوى صدرت بذلك

يوسف الظفيري:


القانون الكويتي لا يعتبر الشخص الميت دماغياً قد توفي إذا كان القلب والرئتان تعمل

- دائماً أهل المريض هم من يريدون إبقاء الأجهزة تعمل وليس الطبيب

- الأمر محسوم طبياً وعلمياً ويعتمد على جذع المخ

عادل رضا:


الموت توقف للتنفس والنبض وغياب لوظائفهما وفقدان قدرة الدماغ

- بإعلان الموت الدماغي وغياب وظائف جذع الدماغ العصبية يمكن الإعلان الإكلينيكي عن الوفاة القانونية

- الإعلان عن الموت يجب أن يكون ضمن التأكد من غياب القدرة الكلية للدماغ على العمل مجدداً

متى يموت الإنسان؟ سؤال رغم أهميته وتعلقه بأغلى ما يملك الإنسان، وهو حياته، ما زالت الإجابة عنه عالقة بين أبحاث المجامع الفقهية من جهة والدراسات الطبية من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي تتجه غالبية علمية شرعية نحو اتخاذ جذع المخ كمؤشر ودليل وكلمة سر في الحكم على الشخص إذا كان ميتاً أو حياً، فعمل جذع المخ يشي بأن الشخص حي وتوقفه يعني أن الشخص ميت، ثمة آراء خرجت عن هذا الإجماع لتزيد من غموض تلك القضية وتمنع أن يسدل الستار على فصولها.
«الراي» بحثت تفاصيل تلك القضية بين الفقهاء والأطباء، في محاولة للخروج بمفهوم بشأن معنى الموت ومتى يعتبرالإنسان ميتاً، لإزالة الالتباس حيال إصدار هكذا حكم، لكن البداية كانت مبهمة والنهاية كانت أكثر إبهاماً، فالأمر لم يتم فصله بشكل قطعي يريح الإنسان لكي يطمئن على الحكم الذي سيصدر ويخرج بموجبه من حياة إلى عالم آخر.

زكي
البداية كانت مع عضو هيئة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية الدكتور عيسى زكي الذي أوضح أن «المؤشرالأول للوفاة هو زوال العلامات الطبيعية للحياة التي تكون مستقلة وليست تابعة لشيء، بمعنى أنه يتنفس بحركة الرئة الطبيعية من دون مساعدة، بحيث إنها لو رفعت عنه فستتوقف عن العمل مثلاً، وكذلك حركة القلب اللاإرادية وبالتالي إذا ظهرت عليه آثار الحياة يعتبر حياً».
وأضاف «لكن هذا المفهوم تطوّرَ بين الأطباء والفقهاء عند بحث قضية الموت الدماغي، فتم التوصل بين الجانبين إلى أنه إذا مات جذع الدماغ المسؤول بدوره عن حركة القلب والرئة فقد أقرالفقهاء المعاصرون بأن هذه الحالة تعتبر وفاة شرعية، لأن هذا الجذع هو المسؤول عن الحركة الإرادية للقلب والرئة، وإذا كان جذع الدماغ قد مات وبقي القلب والرئة في التحرك عن طريق هذه الأجهزة المتصلة بها فهذه حركة الذبيح، وبالتالي الذبيحة ميتة لكنها قد تتحرك وهذه الحركة لا تعتبر علامة حياة وإنما بقايا الأعصاب».
وتابع: «كلمة السر في جذع الدماغ، وكان هناك ندوة طويلة تبناها مركز العلوم الطبية بمستشفى الطب الإسلامي في الكويت، وأخرى في القاهرة وثالثة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي في السعودية، وبعد نقاش طويل اتفق الفقهاء والأطباء على أن الفيصل هو جذع الدماغ لأن الحركة التي تنتج بعد موت جذع المخ ليست حركة طبيعية وإنما حركة اصطناعية».
وأشارإلى «صدور فتاوى عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة والندوة العالمية لقضايا الطفل المعاصرة، وكذلك صدرت فتوى عن هيئة الإفتاء في وزارة الأوقاف، وأعتقد أن الخلاف انتهى، لكن هذا لا يمنع أن بعض المشايخ يخرج عن هذا الإجماع لأن الاجتهاد مقبول».

صالح
أما أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح فقالت إن «الموت عند الفقهاء هو خروج الروح من الجسد، وهذا ما نص عليه القرآن حين وصف الروح ووصولها للحلقوم».
وتابعت «النص القرآني هو مرجعنا، أما الرأي الطبي فأعتقد أنه يقوم على الإتجار بالبشر لأنهم يستفيدون من العائد المادي لاستخدام المريض للأجهزة التي يظن أنها تطيل من عمره».
وأضافت «أتمنى أن يعمم الرأي الفقهي، العبرة بخروج الروح التي تصعد بالبرزخ من الأجساد وهذا أمر له علامات ذكرت في القرآن من التفاف الساق بالساق حتى لو كان المريض يعمل بأجهزة، وأنا ضد استخدام الأجهزة لإطالة عمر شخص لأن هذا الأمر يعد تعذيباً لأهل الميت، وضغطاً ومسؤولية مالية ويدخل فيه عنصر التجارة».

الكردي
من جانبه، قال عضو هيئة الإفتاء الدكتور أحمد الحجي الكردي «لا يعد الميت ميتاً إلا إذا توقف قلبه ورئتاه عن العمل وقال الأطباء والمختصون إنه لا عودة له بعد ذلك أبداً، وبالتالي فإن الشروط والعبرة هنا في القلب والرئتين وقول طبيب مسلم مختص، أما الموت الدماغي فلا يعد موتاً لأن الإنسان قد يموت دماغه ويبقى هو حياً سنة أو سنتين ويتعامل في هذه الحالة معاملة الأحياء».
وشدد الكردي على أن «الموت الدماغي ليس موتاً شرعياً ولا يرثه أهله إلا بعد الموت النهائي وهذه الفتوى صدرت بعد دراسة طويلة».

الظفيري
على المستوى الطبي، أكد استشاري طب وجراحة العيون الدكتور يوسف الظفيري ان «الموت الدماغي يعني وقف وظائف المريض الدماغية وعدم قدرة المريض على التحكم في الوظائف الحيوية نتيجة لنقص الأكسجين وعدم تدفقه للمخ، ودائماً ما يصاحب الموت الدماغي توسع في حدقة العين».
وبشأن إمكانية أن يكون هناك موت دماغي بينما يعمل القلب والرئتان، أجاب بالقول: «هناك نوعان من الموت الدماغي، فثمة موت دماغي مع سلامة جذع المخ وفي هذه الحالة يستمر القلب والرئتان في التنفس من دون مساعدة أو تدخل خارجي، وهناك موت دماغي كامل يصيب المخ والجذع وفي هذه الحالة لا يستطيع المريض التنفس وربما تعمل دقات القلب وهنا ربما يتم تعويضه بالتنفس الاصطناعي».
وبشأن المعمول به في الكويت، بيّن أن «القانون الكويتي قاصر في هذا الصدد، لأنه لا يعتبر الشخص ميتا دماغياً مع وجود دقات القلب والرئتين تعملان، فالقانون يعتبرالإنسان حياً طالما أن قلبه ورئتاه تعملان، أما في دول أخرى فالمعيار هو الموت الدماغي والاعتماد على تقرير استشاريين للقيام بسحب الأجهزة (التي تساعد على التنفس وعمل القلب)».
وعن الوسيلة التي يراها أنجع في الحكم على قضية الموت، أجاب بالقول: «الحكم الإكلينيكي هو الأفضل، ومن وجهة نظري الشخصية إذا كان الشخص ميتاً دماغياً (وليست مجرد غيبوبة) ويعتمد على الأجهزة في استمرار حياته فهو يعتبر ميتاً، لأنه إذا سحبت منه الأجهزة سيموت. ولكن إذا كان الشخص ميتاً دماغياً لكنه لا يعتمد على الأجهزة (في دقات القلب والتنفس) فهذا لا يمكن أن نفعل له شيئاً ويجب تركه ولا يمكن نعطيه مثلاً إبرة الموت أو ما يسميه البعض الموت الرحيم».
وتابع «دائماً أهل المريض هم من يريدون إبقاء الأجهزة تعمل وليس الطبيب، الذي عادة ما يرى أن هذا الأمر تعذيب للمريض، خصوصا مع القرحات التي تصيب الجسم من طول فترة ملازمة السرير، وبالتالي فإن القرار يعود لأهل المريض ويكون مبنياً على مشاورات عائلية أو شرعية أو نفسية».
وأضاف: «هذا الأمر تعرض له مرضى كويتيون في الخارج، حيث إن النظام المعمول به في المستشفيات الغربية هو نزع الأجهزة بشكل اجباري في حالة الموت الدماغي، وأتذكر أن ثمة حالة استنجدت فيها أسرة المريض الذي كان ميتاً دماغياً بالسلطات الكويتية لعدم سحب الأجهزة، وتم ارسال طائرة طبية خاصة مجهزة وعادت بالمريض والأجهزة متصلة بأعضائه».
وفي ما يتعلق بالجدل بشأن هذه القضية طيلة كل هذه السنوات رغم التقدم العلمي، أجاب بالقول: «الأمر محسوم طبياً وعلمياً (ويعتمد على جذع المخ)، لكن الخلاف يكون ناتجاً عن الأمور الشرعية أوالنفسية والاجتماعية خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية».

رضا
من جانبه، قال أخصائي الباطنية والغدد الصماء والسكري بمستشفى الصباح الدكتور عادل رضا «موضوع الموت يمكن تقسيمه إلى مستويين فكري وطبي، أما على المستوى الفكري فيعتبر الموت النقيض لعملية الولادة والحياة، والموت جزء من قانون الحياة والطبيعة، وتختلف تعاريف الموت باختلاف الأديان والثقافات وتنوع المجتمعات والخلفيات المؤسسة لكل تجمع بشري».
وأضاف «لكن على المستوى الطبي بشكل مبسط من دون الدخول بتفاصيل كثيرة، نستطيع الكلام عن الموت على أنه توقف للتنفس والنبض القلبي مع توسع لبؤبؤ العين ضمن حالة من موت الدماغ وغياب لوظائفه وفقدان قدرة الدماغ على العودة إلى العمل خصوصا الجزء الدماغي المسمى بجذع الدماغ».
وتابع «اننا نستطيع القول كذلك انه بإعلان الموت الدماغي وبالتحديد جذع الدماغ، وترافق ذلك وتزامنه مع غياب وظائف جذع الدماغ العصبية يمكن الإعلان الإكلينيكي عن الوفاة القانونية ولكن هنا وجب التأكيد والتشديد أن ذلك يجب أن يكون ضمن التأكد من غياب القدرة الكلية للدماغ على العمل مجدداً»، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن «هناك تفاصيل أكثر ضمن الحديث الطبي عن الموت وتشخيصه واثباته القانوني وكذلك مسألة التعامل مع أهل المريض وعائلته».

مجمع الفقه الإسلامي: لا يعتبر شرعاً أن الشخص مات  إلا إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً لا رجعة فيه
 
أوضح الباحث العلمي بالموسوعة الفقهية التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية الشيخ عبد الله نجيب سالم في تصريح لـ«الراي» أن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان بالأردن في أكتوبر 1986 قرر أنه «لا يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات إلا إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً لارجعة فيه، وإذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، لارجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل، وفي غيرهذه الحالة لا يعتبر الإنسان ميتا ولا يجوز دفنه وتبقى ذمته المالية ولا يورث وتجب في قتله الدية».
وأوضح سالم أن «الموت في اللغة ضد الحياة وفي الاصطلاح هو مفارقة الروح للجسد، ونظراً لتعذر إدراك كنه الموت، فقد علق الفقهاء الأحكام الشرعية المترتبة عليه بظهور أمارته في البدن الذي تفارقه الروح فتتعطل أعضاؤه كلها».
وأضاف «إن النبي صلى الله عليه وسلم نبّه إلى أن شخوص بصرالمحتضر علامة ظاهرة على قبض روحه ومفارقتها لجسده فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)»، مبيناً أن «الموت عند الفقهاء على ثلاثة أقسام: حقيقي، وحكمي، وتقديري. فأما الموت الحقيقي فهو مفارقة الروح للجسد على وجه الحقيقة واليقين، وأما الموت الحكمي فهو حكم يصدرمن قبل القاضي بموت شخص من الأشخاص - وإن كان لا يزال حيا - كالمفقود الذي لا تدرى حياته ولا موته، فإنه يعتبر ميتاً من حيث الحكم. وأما الموت التقديري فهو للجنين الذي أسقط ميتاً بجناية على أمه حيث يقدرحياً في بطن أمه قبل الجناية ثم موته منها».
واختتم بالقول: «بناء على ما سبق فإنه لا يحكم بالموت إلا بانتفاء جميع علامات الحياة مثل الحركة والنفس والنبض أو أيّ علامة من العلامات الظاهرة أو الباطنة التي يستدل بها على بقاء شيء من الحياة».

دائرة الإفتاء الأردنية: الحكم بموت الدماغ لا يتم بأقل من 3 أطباء


أصدرت دائرة الإفتاء الأردنية فتوى شرعية حول قضية الحكم بموت الشخص جاء فيها:
«يعتبرشرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك إذا تبيّنت فيه إحدى العلامتين الآتيتين:
- إذا توقف قلبُه وتنفسُه توقفاً تاماً، وحَكَم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
- إذا تعطَّلت جميعُ وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وأخذ دماغه في التحلل، وحَكَم الأطباء المختصون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، ولا عبرة حينئذ يكون أعضاء الميت كالقلب لا يزال يعمل عملا آلياً بفعل أجهزة الإنعاش المركبة.
وفي هذه الحالة (الثانية) يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، ولا يحكم الأطباء بالموت في هذه الحالة إلا بعد الاستيثاق والتأكد من الأمور التالية:
- توافر جميع شروط تشخيص موت الدماغ.
- استبعاد الأسباب الأخرى للغيبوبة.
- غياب جميع منعكسات جذع الدماغ.
- القيام بجميع الفحوصات اللاّزمة طبياً لإثبات وقف التنفس.
- السكون الكهربائي في تخطيط الدماغ.
- إجراء أي فحوص طبية لازمة للتأكد من موت الدماغ.
- أن تتم هذه الفحوص في مستشفى مؤهل، تتوافر فيه الإمكانات اللاّزمة لهذه الفحوص.
ونظراً لما لهذا الموضوع من أهميةٍ شرعيةٍ، وقانونيةٍ، وطبيةٍ، وأخلاقيةٍ، واجتماعيةٍ، فإن الحكم بموت الدماغ يجب أن يتم من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة، وألاّ يكون لأحد منهم أي علاقة بالموضوع تُورث شبهةً، وأن تقوم اللجنة بإعادة الفحوصات السابقة بعد فترة كافية من الفحوص الأولى، يقررها الأطباء المختصون للتأكد من إثبات اكتمال جميع الشروط المذكورة آنفاً. وتعتبر ساعة توقيع اللجنة الطبية المختصة المذكورة هي ساعة وفاة الشخص في حق الأمور التي ترتبط بتاريخ الوفاة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي