No Script

ببساطة

بين الاستقلال والتحرير

تصغير
تكبير

تحتفل الكويت في هذه الأيام بالأعياد الوطنية، فاليوم نحتفل بالذكرى التاسعة والخمسين للاستقلال التي ثُبِتت مع ذكرى جلوس الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله على مسند الإمارة، كما نحتفل غداً بالذكرى التاسعة والعشرين لتحرير الكويت من براثن الاحتلال، وما بين الاستقلال والتحرير وواقعنا الحالي دروس وعبر يبدو لي بأننا لم نستفد منها.
فبعد استقلال الكويت في العام 1961 تعرضت الكويت لأول تهديد لأمنها الوطني، حيث طالب حاكم العراق عبدالكريم قاسم بضم الكويت للعراق بعد أقل من أسبوع من إعلاننا للاستقلال، تلك الأزمة تمت مواجهتها عبر طريقين مهمين، الأول وهو طلب المساعدة العسكرية من المملكة المتحدة ثم من جامعة الدول العربية، والطريق الآخر هو تقوية الجبهة الداخلية الكويتية من خلال إنهاء جميع الخلافات السياسية السابقة وإصدار مرسوم انتخابات المجلس التأسيسي تمهيداً لصياغة دستور الكويت وإقامة النظام الديموقراطي، وبالفعل تم طي صفحات الخلاف السياسي ووحدت الجبهة الداخلية الكويتية، وعاشت الكويت في ظل دستورها فترة ذهبية شهدت نهضة سبقت فيها الكويت جميع دول المنطقة، فبعد الاستقلال السياسي عن بريطانيا جاء مجلس الأمة في منتصف السبعينات ليحقق الاستقلال الاقتصادي للكويت من خلال تأميم النفط والحفاظ على ثرواتنا الوطنية.
بالتأكيد لم يكن الدستور الذي أقر بأن الأمة مصدر السلطات جميعاً وأن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي ليعجب الجميع، فهناك أطراف بالسلطة لم تكن قابلة بهذا الوضع الجديد، فما كان منها سوى محاولة عرقلة ذلك المشروع فكان الانقلابان الأول والثاني على الدستور، اللذان تم خلالهما تعطيل الحياة البرلمانية والديموقراطية في الكويت، فغابت الرقابة الشعبية وغيّبت سلطة الأمة... وهنا جاءت الكارثة الكبيرة، فأثناء فترة الانقلاب الثاني على الدستور احتُلّت الكويت لنعيش كالأغراب في وطننا لسبعة أشهر كانت هي الأصعب في تاريخ الكويت، ولولا صمود الشعب الكويتي في مواجهة تلك المحنة ورفضه للاحتلال ومقاومته التي قدم من خلالها العديد من الشهداء الذين رووا أرض الكويت بدمائهم الطاهرة، والالتفاف الشعبي حول الشرعية الدستورية التي أكد عليها المعارضون قبل الموالين في مؤتمر جدة الشعبي، لما عادت الكويت... فقد رفض الرئيس الفرنسي ميتران الموافقة على حرب تحرير الكويت ما لم يتأكد من التزام مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكويتي، فكان مؤتمر جدة الشعبي الذي تم التأكيد فيه على الشرعية الكويتية والاتفاق فيه على عودة العمل بالدستور والحياة الديموقراطية، لتبدأ بعدها عمليات عاصفة الصحراء وتعود الكويت حرة بتاريخ 26 فبراير1991.


تسعة وعشرون عاماً مرت على ذلك اليوم التاريخي الذي تحررت فيه الكويت، ولكن خلال كل تلك الأعوام لم يحاسب مسؤول حكومي واحد عن أسباب تلك الكارثة، مثلما لم يحاسب من سرق الكويت وأموالها في عز تلك الأزمة، بل على النقيض تماماً عاد معظم المقصرين والمتهاونين إلى مواقعهم من دون حساب أو عقاب، هكذا مرت التسعة وعشرون عاماً علينا لنجد الكويت تتراجع عاماً بعد عام حتى وصلنا اليوم إلى وضع باتت فيه أموال الدولة تنهب من خلال مافيات الفساد من دون رقيب أو حسيب... هكذا نحتفل اليوم بحسرة بأعيادنا الوطنية ونحن نرى مجتمعنا يعاني من التعصب القبلي والطائفي وارتفاع النفس العنصري، هكذا نحتفل اليوم وبيننا من يطالب بتغييب الدستور والحياة الديموقراطية ليأسه من الإصلاح، هكذا بين عيد الاستقلال والتحرير دروس تبين لنا بأن جبهتنا الداخلية هي حصننا الأكيد أمام الأخطار الخارجية وأن الدستور والديموقراطية هما ملاذنا الآمن بينما غياب الدستور والديموقراطية لم يأتيا علينا إلا بالكوارث، ولكن يبدو أن البعض لم يتعلم من هذه الدروس ولم يتعظ!
dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي