No Script

متسلّحة بقرارات سوتشي الاستراتيجية

موسكو تُعلن «حرباً صامتة» على واشنطن وتل أبيب وأنقرة

No Image
تصغير
تكبير

اتفق نحو 1400 سوري من الحكومة والمعارضة - مع اختلاف وجهات النظر والأجندة السياسية والأهداف - على 12 مبدأ وقرارات استراتيجية، تحت أنظار الولايات المتحدة واسرائيل، المتضرّرتيْن من نتائج محادثات السلام في منتجع سوتشي.
أما روسيا فقد أعلنتْ - نظرياً - نهاية العديد من التكهنات حول موافقتها على تقسيم سورية، وبالتالي فقد أعلنت حرباً صامتة على اسرائيل والولايات المتحدة وعلى تركيا، وهي الدول التي لها قوات موجودة بشكل غير قانوني على الأراضي السورية. وتمثلتْ هذه الحرب بإعلان سوتشي أن سورية ستبقى دولة متكاملة لها سيادة كاملة على أراضيها كافة.
كان اجتماع سوتشي مهماً - على الرغم من التوقعات المنخفضة في البداية لنتائجه وجدواه - وتَمثّلت أهمّ الإنجازات باعتراف دولي بحكومة دمشق، لوجود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا ووجود الجماعات التابعة لأنقرة والقاهرة مع ممثّلي الحكومة السورية. بالاضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على تقديم اقتراحات لتعديل الدستور ومناقشته من 150 عضواً مؤلفين من خبراء دستوريين من الحكومة والمعارضة.
صحيح ان لهذه اللجنة قدرة استشارية ولا صلاحيات لديها لتغيير الدستور، إلا أنها تستطيع تقديم اقتراحات بشأنه: إنها بداية جديدة تمهد لجولة مفاوضات جنيف في وقت لاحق هذه السنة. وهذا يعني ان على الشعب السوري تقرير مستقبله بنفسه رغم التأثيرات الخارجية والتدخلات.
الوفد السوري المدعوم من الرياض لم يكن حاضراً... وكذلك رفضتْ «وحدات حماية الشعب» التي تتمتع بحماية القوات الأميركية في شمال شرقي سورية حضور اجتماع سوتشي، اذ يشعر الأكراد المؤيّدون للولايات المتحدة بأن روسيا «خانتهم» لعدم قتالها القوات التركية (ذات العضوية في حلف شمال الاطلسي «الناتو») التي تغزو (اسم العملية العسكرية التركية «غصن الزيتون») الجيب الكردي المتاخم للحدود والواقع في مدينة عفرين.
وكانت قيادة «وحدات حماية الشعب» قد رفضت عرضاً من موسكو ودمشق بتسليم عفرين الى القوات الحكومية لأنها تريد الاستمرار بإدارة الشؤون المالية والأمنية للمدينة رغم ادّعائها بأنها جزء من سورية.
ورغم التحذير الروسي الواضح للأكراد في شأن النيات التركية، فإن «حماية الشعب» قبِلت بالسماح للقوات الحكومية السورية بالتواجد فقط على طول الحدود مقابل تركيا كحرس من دون ان تقبل بتسليم المدينة للحكومة المركزية.
ولم يتم تنظيم اجتماع سوتشي ليحلّ محل محادثات السلام في جنيف بل على العكس، فقد أيّدت سوتشي خريطة الطريق التي اعتُمدت العام 2012، وستوافق دمشق على انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة عندما يتم تحرير سورية.
اما سوتشي، فهي مظهر من مظاهر سلطة روسيا وقوتها وسيطرتها في سورية كقوة عظمى تستطيع لعب دور سلمي عندما تهدأ المدافع. وتدفع روسيا الولايات المتحدة جانباً لإفساح المجال لنفسها، ما يضع حداً للدور الأميركي الأحادي في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية. وقد أظهرت المؤسسة الأميركية غضبها من روسيا، ولا سيما تجاه الوجود العسكري القوي وحضور موسكو الذي فرض نفسه في سورية عسكرياً وسياسياً. والجدير ذكره ان روسيا ضربت أفضل حلفاء أميركا في الشرق الاوسط - اسرائيل - عندما وافقت على إعادة - وبالتالي تحرير - هضبة الجولان المحتل على الحدود السورية - الاسرائيلية.
وبينما تسعى روسيا لإعادة الأراضي السورية لأصحابها، يسعى دونالد ترامب الى إعطاء القدس لاسرائيل. وهذا ما دفع الولايات المتحدة الى إعلان سلسلة من العقوبات طاولت أكثر القادة العسكريين والسياسيين الروس، باستثناء فلاديمير بوتين. الا أن الرئيس الروسي المستثنى من عقوبات ترامب، ردّ على الأخير قائلاً: «الكلاب تنبح ولكن القافلة مستمرة».
وسجّلت سوتشي انتصاراً للديموقراطية المستقبلية في بلد متعدّد العرق في سورية وألغت أي دور للجماعات المتطرفة وأي حضور لهم في الحكومة المقبلة. والأهم من ذلك، فقد وافق 1400 شخص على مبدأ تقرير مصيرهم من خلال خطة يختارون فيها رئيسهم عن طريق صناديق الاقتراع وبالطريقة الديموقراطية. وهذا ما دعت اليه الحكومة السورية لسنوات طويلة، إلا ان السوريين أرادوا الخوض في سبع سنوات من الحرب لتحقيق ذلك.
أما أميركا فقد عزلت نفسها عن سوتشي ولكن لم تعزل نفسها عن سورية بسبب وجودها في شرق البلاد كقوة ممثّلة في الحسكة ودير الزور ومنبج، وبالتالي تستطيع لعب أوراق عدة. وكذلك لها سيطرة على جيب في المنطقة نفسها حيث يوجد بضعة آلاف من تنظيم «داعش». ولها جيب آخر معزول في منطقة التنف على الحدود السورية - العراقية مباشرة حيث تدرّب «عشرات الالاف من المقاتلين» (حسب زعمها) في وقت تنخفض فيه المعارك. وتستخدم أميركا الأكراد كقوة حماية لقواتها ما دامت الأخيرة موجودة في سورية.
وفي ما خص روسيا فهي لا تعاقب الأكراد ولكنها تحترم خياراتهم ليذوقوا طعم حماية أميركا والتلطي تحت عباءة «العم سام» وما معنى العمل على جذب حماية أميركا لهم.
ويدرك الأكراد ان الإدارة الأميركية كانت صادقة عندما قالت انها لا تملك حلفاء ولا أصدقاء بل مصالح مشتركة. ولذلك فإن من غير الواضع لماذا يصرّ الأكراد على محاولة تغيير مبادئ الولايات المتحدة ويرضون بأن يكونوا وقوداً للأميركي في سورية. وجلّ ما تستطيع روسيا فعله هو الانتظار لجمع ما تبقى من الأكراد حين يستيقظون من حلمهم غير الواقعي ويقرّرون ان يكونوا جزءاً من سورية.
لقد خسرت أميركا وحلفاؤها الحرب، ومع ذلك سيبقى هؤلاء في سورية. ومن ناحية أخرى، فإن كل المعسكر المناهِض لأميركا سيعمل ما بوسعه لمنْع بقائها في بلاد الشام ودفْعها للمغادرة. من الممكن ان يحصل ذلك بعد انتهاء الحرب في سورية حين تبقى قوات واشنطن مثل الابهام الأقرح. ولن يكون من السهل إزالة الاحتلال التركي لسورية، وبالتالي فقد جلب الأكراد الولايات المتحدة الى بلاد الشام وكذلك قدّموا نفوذاً ضخماً لتركيا لتبقى وتحاول ضمّ جزء من سورية بعد رفض «وحدات حماية الشعب» سلطة دمشق المركزية على عفرين والحسكة.
لا سوتشي ولا جنيف سيُخرجان اميركا او تركيا من سورية. وفي الوقت عينه فإن الجهاديين المتطرفين سعيدون من أميركا وتركيا لبقائهم في سورية، لأن جميع اللاعبين لن يكرّسوا اهتمامهم الكامل لضرب هؤلاء وإزالة الارهاب. ولكن ستبقى هذه الدول منشغلة ببعضها البعض بما يمكّن التطرف من الاستمرار واللعب على الأراضي السورية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي