ما من أمة انقطعت الصلة ما بين حاضرها وماضيها - خصوصاً إذا كان هذا الماضي مشرقاً مجيداً - إلا صار أمرها إلى ضياع وشتات، ولقد رام أذناب الاستعمار أن يقطعوا الصلة التي تربط الشرق بماضيه المشرق، وأن يحولوا بينه وبين التطلع إلى حضارته التي أضاءت العالم كله يوم كانت قيادة العالم في أيادي أهل الإسلام.
ولقد طال على الشرق هذا الليل البهيم، حتى نال الاستعمار بعض أمانيه بعد سقوط الدولة العثمانية بالإرهاب والتسلّط حيناً، وبالخديعة والمكر والدسائس حيناً آخر، فإذا وحّد الشرق تفكك، وتداعت عليه الأمم، فالجفاء والبغيضة حلا محل الأخوة والوحدة في وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا مجدهم التليد وتاريخ هذه الحضارة وعلومها ورجالها في زوايا النسيان، بعدما استعاضوا عنها بترجمة ترهات الغرب ونصبوها لأجيال المسلمين بالمسرحيات والأفلام والإعلام، وقد أخذهم بريق من حضارة الغرب كي يفتن أبصارهم، ولكنه بريق يشبه بريق السراب الخادع الذي تراه فتحسبه شيئاً فإذا جئته لم تجده شيئاً، وإذا المتعلمون والمثقفون من أبناء بلاد المسلمين التي كانت مبعث العلم والثقافة أقلية بقدرما يحتاج إليه المستعمرفي وظائف الدولة، التي يزهد رجاله في تقلدها، وإذا علم هذه الأقلية وثقافتها ضئيلان بقدر ما يجعلها آلات يديرها الاستعمار ويحركها في أهوائه، تسير إذا أراد أن تسير، وتقف كلما أراد لها الوقوف، وها هو الغرب اليوم يقلب عليهم المجن ويبحث عن غيرهم من المتأسلمين ليروج بضاعته.
واقتضت حكمة الله تعالى أن تبقى صورة هذا الدين القويم بيد رجال اصطفاهم الله على علم قال: صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».