No Script

أصبوحة

الكويت في انتظار غودو

تصغير
تكبير

«في انتظار غودو» مسرحية كتبها الكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت، وعرضت أول مرة في باريس عام 1953، والمسرحية تصنف ضمن مسرح العبث، الذي ظهر بُعيد الحربين العالميتين، كشكل من أشكال الاحتجاج على الحروب العبثية بين دول العالم.
ومضمون المسرحية عبارة عن انتظار عبثي، لاثنين ينتظران شخصاً اسمه غودو، وتنتهي المسرحية وهما في حالة انتظار لمن لا يأتي، ومجمل الحوارات التي تتم بين هذين الشخصين، تدور حول السؤال الأساسي: «هل أتي غودو؟» والجواب: «لا لم يأت»، وتنتهي المسرحية على هذه الحال.
لكن الانتظار شبه الأزلي باعث على القلق والتوتر، وقد تحدث مفاجآت أو معضلات أثناء هذا الانتظار، ونجد ذلك في ملحمة هوميروس «الأوديسة»، إذ يضيع أوديسيس بعد انتهاء حرب طروادة، ويمر خلال عودته إلى مملكته إيثكا، بمخاطر خرافية ووحوش أسطورية، تعطل وصوله إلى زوجته في ايثكا، أما زوجته بينلوبي فتظل عشرين سنة في انتظار زوجها أوديسيس، وحتى تمرر وقت الانتظار الطويل، تحيك في النهار وتحل ما حاكته في الليل، لعل وعسى أن يأتي زوجها.
ألا يذكرنا ذلك الانتظار الأسطوري لبينلوبي، والانتظار المستحيل لغودو بحال انتظارنا نحن، الذي يشبه هذين الانتظارين المقلقين؟ فمنذ عقود ونحن ننتظر فرجاً لا يأتي، ننتظر الإصلاح ونتساءل: هل أتى؟ لا لم يأت، وكأننا نغزل في النهار ونحل ما غزلناه في الليل، وننتظر القضاء على الفساد لكنه أشبه بغودو لا يأتي، وكأنه مجرد حلم يراودنا أو وهم وليس واقعاً، وننتظر التنمية وتنويع مصادر الدخل، والإنتاج المبني على القدرات الذاتية، وننتظر إعادة الاعتبار للثقافة والفنون والآداب، وننتظر احترام مواد الدستور، وننتظر الانتصار للحريات، وننتظر إصلاح التعليم، وننتظر تطبيق القانون على الكبير والصغير، وننتظر القضاء على النعرات الطائفية والقبلية، وتحقيق المواطنة الدستورية على الجميع، وننتظر إقامة الدولة المدنية، وننتظر تحقيق العدالة الاجتماعية، وننتظر إصلاح الطرق والبنية التحتية، وننتظر تغيير نهج المحاصصة والترضيات، وتعيين الكفاءات الوطنية المخلصة، وننتظر فرض الأخلاقيات الراقية، والسلوكيات المتحضرة، وننتظر الحفاظ على البيئة، وننتظر القضاء على التنفيع والواسطة، لكن جميعها مثل غودو لا تأتي.
وإن كان أوديسيس قد عاد إلى ايثكا، وخلصها من الفاسدين المتكالبين على ثروتها ومناصبها، والطامعين في زوجته بينلوبي الجميلة الوفية والصابرة، فإن غودو لا يعود وكأنه كان مجرد إشاعة أو خبر كاذب.
لكن حالنا لا يسمح بانتظار المستحيل، ولا يسمح بالانتظار الطويل، فالثروات تتبدد وأخلاقيات الناس تزداد انهياراً، إذا أهملت ولم تعالج بسرعة، والفساد سيصبح شريعة، والتخلف الاجتماعي والثقافي سيكون سمة دائمة، والمخاطر الإقليمية والدولية، قد وصل لسع لهيبها جباهنا، فليأتِ غودو ولننهِ حالة الانتظار الأزلي.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي