No Script

رواق

حيونة الإنسان

تصغير
تكبير

قبل عشر سنوات انهرت بالبكاء في مكان عام، لأن المقهى الذي كنت أحبه أغلق، لم يكن الأمر يقتصر على إغلاق مقهى بل إن شريطاً طويلاً من الذكريات مرّ في بالي، متضمناً أجمل مراحل حياتي، أشعرني بأنهم يسرقون عمري حين قرروا إغلاق ذلك المقهى... كان الموضوع أكبر من مجرد مقهى كان بمثابة إهانة شخصية... تصوروا!
وأمس مررت بمقهى أمضيت أكثر من عشر سنوات أتردد عليه، وشهد ولادة كتابين وعشرات بل مئات المقالات وألوف الذكريات، فوجدت العمارة التي يقبع بها هُدِمت بالكامل، ابتسمت وقلت لنفسي: الدوام لله ثم مضيت أبحث عن فنجان مقهى في مكان آخر مسكونة بسؤال واحد: ماذا تغيّر؟
رغم تشابه الأمكنة... فإن الأزمنة تغيّرت ونحن كذلك!


ما الذي يغير الانسان فيضاعف قدرته على الاحتمال ويختصر مشاعره؟ كثرة الصدمات ربما أو لنقل الانهيارات التي يعود بعدها من جديد، إنما أقسى مما كان عليه فكثرة الألم حين يعتصرنا... يعصر في داخلنا مناعة غير طبيعية تجعلنا نحتمل ما لا يحتمل!
لا تخيفني القسوة التي تولد مع الانكسار والخذلان، قدر ما ترعبني فكرة تحول المظلوم إلى ظالم، لرفع الظلم الواقع عليه عندما أشاهد حولي نماذج «من كثر ما ظُلِمَت ظَلَمت»!
حين يفشل البعض في تحقيق غايته أو سعادته، يميل إلى سلب الآخرين راحتهم - في بعض الأحيان - ويصبح شغله الشاغل «نكّد عليهم إذا ما تقدر تستانس مثلهم»!
لم أر شخصاً يظلم غيره إلا وظلم نفسه أكثر، ويشرح الحالة بالتفصيل الكاتب ممدوح عدوان في كتابه المثير للجدل «حيونة الإنسان» أطرقت متأملة العنوان: كرّم الله بني آدم لكن بعض الأوادم اختاروا الحيونة تكرمون!
يحاول الكاتب الإجابة عن سبب الوحشية والعنف، وكيفية نشوئها ما بدوره يحوله إلى حيوان يفقد كل إنسانيته، ويصبح مجرداً من المشاعر، كما يشير إلى العيش في بيئة محاطة بالقمع والاستبداد غير مناسبة لعيش الإنسان ولنمو إنسانيته!
يتحدث الكاتب عن الذين لا يملكون الجرأة في مواجهة الظلم، فتحولوا إليه ويقول إن من السذاجة إذا اعتقدنا أن الذين يمارسون الوحشية يهتمون ببراءة ضحاياهم أم إدانتهم، فحين لا يعلنون أنفسهم كأدوات انتقام يدعون أنهم منفذوا العدالة العمياء... «عمى» قلتها لنفسي بعد أن مرّ في ذهني نموذج أو أكثر في بيئتي المحيطة، التي قرّرت تغييرها بحثاً عن بيئة تسمح لي أن أبكي كلما أغلق مقهى أحبه أبوابه في وجهي!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي