No Script

أماكن / بيوت عابرة (3)

تصغير
تكبير
... يجيء مخضوضا، يحيطها بذراعيه، يملس عليها، يقبلها علها تكف عن النهنهة ونعي بختها وميل حالها.

هي أستاذة العلوم السياسية، حاملة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، ليتها لم تصحبه في بعثته التي حادت عن طريقها، لم تتم، تقلب في أعمال عديدة، لا تعرف إلا القليل منها، مثل وقوفه في المكتبة العربية القريبة من المدرسة العليا.

كان يرشد طلاب المدارس العليا إلى المراجع، ذاكرته مرهفة، تحتشد فيها العناوين مقترنة بأسماء المؤلفين، بتواريخ الطبعات، كما يحفظ الأماكن التي توجد فيها المخطوطات النادرة، حتى إنه يعرف ما يفوق محتويات كتاب بروكلين متعدد الأجزاء.

كذلك فؤاد سزكين، وبهما آلاف العناوين لما حوته مكتبات العالم من نوادر مخطوطة. ويقال إن أحدهم اقترح عليه تأليف كتاب عن المخطوطات التي لم يذكرها بروكلمان وسزكين، عرض عليه مقدما ماليا، لكنه لم يفعل، غير أنه انتفض غاضبا مرة.

يشهد على ذلك صاحب المكتبة فلسطيني الأصل، جاء إليه طالب من بلد عربي ثري، فتح معه مفاوضة في أن يعد رسالة ماجستير مقابل خمسة آلاف يورو كاملة تدفع على مرتين، أثار العرض حنقه ويبدو أن صاحب المكتبة اتخذ قرارا بفض العلاقة، السبب في ما يبدو لحظة من تناقض بين استكانته وخموله وتلك الغضبة الجارفة التي جعلت الطالب العربي يجري بأقصى سرعة قبل أن يلحق به ويتمكن منه.

بالطبع صاحب المكتبة رغب إتمام الصفقة انتظارا للهدايا والفرص الاستثنائية، نفس يوم مفارقته لعمله الموقت هذا التقت امرأته الدكتور في مطعم افتتحته سيدة حلبية بضاحية ايفري التي يسكنان قربها.

ملامح الدكتور تبعث على الثقة، لا يعرف أحد عنه علاقة بأنثى ما، زوجته التي تشغل منصبا مرموقا في منظمة اليونسكو. لا يعرف أحد توصيفه بالضبط تظهر بصحبته أحيانا، ترافقه إلى مقاه يلتقي فيها المصريون المقيمون من دون تصريحات شرعية، يعملون في أسواق الخضار وأعمال النقاشة والمطاعم الصغيرة، ومقاه شرقية بدأت تنتشر وتقدم الشيشة. أحيانا تجيء فتاة مغربية أو جزائرية لزيارته، تعرف على بعضهن وشرع في إنتاج مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس.أجرى عشرات التدريبات في مسرح المركز الثقافي الجزائري، استنطق الذين لم يعرفوا التمثيل من قبل، أظهر كوامنهم، أطلق عليهم أسماء مغايرة، العمدة، جيزة سبعة وسبعين، البريمادونا، السقا، الخلوتي.

وهكذا، الغريب أنهم اعتادوا مناداة بعضهم بما نطق به حتى إنهم نسوا أسماءهم الأصلية، كشف عن مواهب حقيقية يمكن أن تلمع لو قُدر لها الظهور والانتشار، غير أن الأمر اقتصر على البروفات لا غير ولم يقدم العرض حتى على خشبة المركز، عاينت صلته الوثيقة بالشباب المهاجر.

الحق أنه كان يبذل جهدا لمساعدتهم، لكن الوقت الطويل الذي يخصصه لهم دفع البعض إلى الهمس بأنه يوطد الصلة لمعرفة أحوالهم وإبلاغها إلى جهات ما، ربما تكون مصرية، وربما فرنسية، لم يخف صلاته بجهات خاصة في مصر.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي