No Script

الأحقاد فناء للأمم

No Image
تصغير
تكبير

حين تعيش الأمة معتصمة بكتاب ربها، مستمسكة بهدي نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فإنها تعيش سليمة قلوبها، مبرأة من وساوس الضغينة نفوسها، بعيدة عن ثوران الأحقاد صدورها. إذا رأت نعمة في بعض فئاتها أو في قطر من أقطارها سادها الرضا، وأحسَّتْ بفضل الله على إخوانها، واستشعرت فقر خلائق الله إلى الله وتمثل أفرادها بالذكر المحمدي: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك له فلك الحمد ولك الشكر» أخرجه أبو داود في سننه بإسناد جيد من حديث عبد الله بن غنام، وإذا مسَّ طائفةً منها ضرٌ أو لحق بها أذى أصابها الإشفاق والحزن، وسألت ربها تفريج الكروب وغفران الذنوب.
 تلك هي أمةُ الحق مع إخوانها وأصحابها في سرائها وضرائها، أما إذا غلبت الشهوات والحظوظ، وطغت الغفلة على البصائر، وصحب ذلك إعراض عن الله والدار الآخرة وتحكمت فيها السياسات والمقيتة، وصار التطلع عندها إلى المناصب والزعامات المجردة والمآرب الشخصية.. مرجت عندها الأمور، وحلت الحزازاتُ ، وانتشرتْ الفرقة، وانتثرت أحزاباً وشيعاً، يذيق بعضها بأس بعض.
إن الأحقاد والضغائن وطغيان المآرب الشخصية أدواءٌ خطيرة، وأمراض فتاكة، إذا فشت في الأمة كانت نذير هلاكها، وإذا دبت في جماعة كانت سبيل فنائها، إنها مصدر كل عداء، ومنبع كل شقاء، هي السلاح البتار الذي يضربُ بها الشيطان القلوب فيمزقها، والجماعات فيفرقها، تغرس الضغينة، وتُنبْتُ العداوة، وتولد النفور ، وتفسد الود، وتقتلع المحبة، هادمة الدنيا، وحالقةُ الدين.
ومن هنا فإن الحقد والضغينة غليان شيطاني، وهياجٌ إبليسي. سبق به الشيطان الحاقدين حين أخذ على نفسه عهداً عند ربه (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:16-17].
والطريق الصحيح والمسلك السوي أن مَنْ سمع شيئاً من هذا فلا يوسع الخرق على الراقع. فرب كلمة شر تموت في مكانها لو تركت حيث قيلت، ولرب مقالة سوء أيقظت فتنة وسعرت حرباً، لأن غراً من الأغرار نقلها أو حاقداً سيئ الطوية نفخ فيها؛ فأصبحت ناراً تنقل الويلات وتنشر الخطوب.
ولكن من لطف الله وحكمته أن المحسود محفوظ، لا يضره حسدُ الحاسدين، ونعمه باقية لا تزيلها ضغائن الحاقدين، والله واهب النعم وسالبها، وهو أحكمُ الحاكمين. ولو كانت النعم تزولُ بالحسد لما بقي في الدنيا محسودٌ لأن كل ذي نعمة محسود.
 
دكتوراه في الفقه المقارن وأصول الفقه*

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي