No Script

تعقيدات يمنية

تصغير
تكبير

من الصعب تصديق انّ اليمن فقد أي امل باستعادة وحدته يوما وان الحاجة الى البحث منذ الآن عن صيغة جديدة للبلد في حال كان مطلوبا وقف المأساة خلال مدة زمنية معقولة. صعب تصديق ذلك، بل ليس اسهل من تصديقه، نظرا الى انّ التعقيدات اليمنية تزداد يوما بعد يوم. مع التعقيدات يزداد الفقر والجوع والمرض ونشوء أجيال بكاملها لم تذهب الى المدرسة.

إضافة الى ذلك، انّ لكلّ حدث يمني تعقيدات خاصة به تحتاج الى من يفككها بالعودة الى موازين القوى القائمة حاليا أحيانا والى التاريخ القديم والحديث في الوقت ذاته في أحيان أخرى.

في الإمكان الحديث عن تعقيدات الشمال والوسط ثم الانتقال الى الجنوب الذي شكلت محافظاته بين 1967 و1990 دولة مستقلة عمّرت 23 عاما كانت في الواقع سلسلة من الحروب الداخلية والاغتيالات والتصفيات التي بقيت مضبوطة بفضل الاتحاد السوفياتي الذي كان اليمن الجنوبي بمثابة استثمار سياسي وعسكري له في منطقة مهمّة، هي شبه الجزيرة العربية. كان الاتحاد السوفياتي يحتاج الى موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية لا اكثر.

لا يدلّ على تعقيدات الشمال اكثر من الوجود الحوثي في صنعاء. أي امل لمدينة مثل صنعاء يحكمها «انصار الله» الذين لا يمتلكون أي مشروع سياسي مستقلّ مرتبط باليمنيين وطموحاتهم. ليس مطلوبا التساؤل ماذا لدى الحوثيين يقدمونه لاهل صنعاء بمقدار ما انّ المطلوب الاعتراف بان لا امل باجتثاث الحوثيين من صنعاء في ظلّ موازين القوى القائمة من جهة ورغبة الامم المتحدة في الاعتراف بهم كقوّة امر واقع من جهة أخرى.

كان ملفتا، أخيرا، تعيين الحوثيين سفيرا لهم في طهران. ما قاموا به بعد الزيارة العلنية لوفد من «انصار الله» للعاصمة الايرانية ليس سوى تتمة لما بدأوه منذ خمس سنوات عندما استولوا على صنعاء في 21 سبتمبر – سبتمبر 2014 ووقعوا في اليوم التالي اتفاقا مع السلطات الايرانية تقوم بموجبه شركات الطيران الايرانية بـ14 رحلة أسبوعية بين طهران وصنعاء وشركة الطيران اليمنية بـ14 رحلة بين صنعاء وطهران.

كان اتفاقا غريبا عجيبا لا لشيء سوى لان لا وجود لسياج إيرانيين او رجال اعمال مهتمين باليمن، كما لا وجود ليمنيين يريدون الذهاب الى ايران باستثناء أولئك الذين توجد حاجة الى تدريبهم على السلاح او غسل دماغهم فكريا ودينيا...

في النهاية، من يستطيع اخراج الحوثيين من صنعاء بعدما اعتبر زعيمهم عبد الملك الحوثي ان ما حصل في 21 سبتمبر 2014 يمحو ما حصل في 26 سبتمبر 1962 عندما اعلن قيام الجمهورية على انقاض نظام الامامة. الجواب بكل بساطة ان شيئا لم يتغير ولا يمكن ان يتغيّر في ظل وجود النظام الايراني الحالي الذي يعتبر ان وجوده في اليمن جزء لا يتجزّأ من مشروعه التوسعي الهادف الى تطويق دول الخليج العربي، في مقدّمها المملكة العربية السعودية، من كلّ صوب!

كم ستستمر دولة الحوثيين التي قبلت الامم المتحدة التعاطي معها بصفة كونها المقابل لـ«الشرعية» اليمني؟ لا يقتصر الامر على توقيع اتفاق ستوكهولم بين الحوثيين و«الشرعية» قبل اقلّ من سنة برعاية مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام. لا بدّ من العودة أيضا الى انّ جمال بنعمز مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في 2014 رعا توقيع اتفاق السلم والشراكة مباشرة بعد استيلاء «انصار الله» على العاصمة اليمنية.

هذا وضع صنعاء، حيث يبدو ان الحوثيين وجدوا ليبقوا في غياب معجزة تنقذ اهل المدينة من ظلمهم وتخلّفهم. ليس ما يكشف ان هؤلاء على استعداد للتوصل الى أي اتفاق من أي نوع مع أي طرف يمني آخر، فيما على دول شبه الجزيرة العربية العيش مع كيان إيراني في الأرض اليمنية. اما تعز، عاصمة الوسط اليمني فهي تعاني من وضع مختلف في ظلّ التواطؤ الحوثي - الاخواني على بقاء الوضع فيها على حاله.

ليس سرّا ان الوسط اليمني منطقة شافعية وانّه اكثر مناطق اليمن كثافة سكّانية. لم يعد في الوقت الحاضر ما يجذب اهل تعز الى صنعاء. ما علاقة اهل تعز بصنعاء في حال لم تعد العاصمة مدينة منفتحة على استعداد لان تكون عاصمة لكل اليمنيين بغض النظر عن مذهبهم ومنطقتهم؟ فقدت صنعاء جاذبيتها بالنسبة الى التاجر ورجل الاعمال الآتي من تعز.

من أضاع صنعاء هم الاخوان المسلمون الذين تميّزوا دائما بحساباتهم الضيّقة التي استفاد منها الحوثيون الى ابعد حدود... وصولا الى تمكنهم من وضع اليد على كلّ صنعاء وعلى جزء من تعز حيث يوجد تاريخيا «جيب زيدي».

لنضع الشمال والوسط جانبا، ماذا عن الجنوب وعن احداث عدن الأخيرة؟ ليست المسألة مسألة «شرعية» تريد العودة الى عاصمة الجنوب كي تمارس منها مهمّاتها. كلّ ما في الامر، ان أمورا كثيرة اختلطت ببعضها البعض. بين هذه الامور ما هو مرتبط بممارسات «الشرعية» التي جاءت بجيشها الى عدن وصار الرئيس الموقت عبد ربّه منصور هادي يمارس ما كان يمارسه ضباط علي عبدالله صالح في الماضي... مع فارق انّه ليس مستعدا لتمضية يومين او ثلاثة في الشهر في المدينة!

هناك، في عدن، التي يسيطر عليها حاليا المجلس الانتقالي، جانب يفترض به الّا يغيب عن ذهن احد. هذا الجانب هو الرفض التاريخي لابناء عدن ومحافظتي لحج والضالع ان يكونوا تحت هيمنة ابين وشبوة. من يتذكّر إزاحة علي ناصر محمّد في 1986 وقبله سالم ربيع علي (سالمين) في 1978. هناك جوانب عدّة غامضة في حالتي علي ناصر و«سالمين» ولكن يبقى ان ما يجمع بينهما كونهما من محافظة ابين...

لا يمكن معالجة ذيول احداث عدن من دون اخذ لهذه الزاوية في الاعتبار، مثلما لا يمكن النظر الى الوضع اليمني ككل من دون التطرق الى واقع يتمثل في ان لكلّ منطقة يمنية تعقيدات خاصة بها وأخرى مرتبطة بالعلاقة بين هذه المنطقة والمناطق الأخرى. على سبيل المثال وليس الحصر كيف سيعالج مستقبلا موضوع محافظة شاسعة مثل حضرموت تمتلك كلّ مقومات الدولة المستقلّة، بدءا بثرواتها وانتهاء بموقعها الاستراتيجي مرورا بطبيعة أهلها داخل المحافظة وخارجها...

يمكن تبسيط الموضوع اليمني الي ابعد حدود. هناك الذين يعتقدون ان لا علاقة للشمال بالجنوب وان الجنوبي شخصية مختلفة عن الشمالي. ينسى هؤلاء ان المجتمع العدني اقرب اكثر بكثير الى المجتمع في تعز من المجتمع الحضرمي. في النهاية، كلّما عرف المرء اليمن عن قرب... كلّما اكتشف كم يجهله وكم الحاجة الى وقت لبلورة صيغة مستقبلية لبلد لا يمكن إعادة الحياة الى وحدته في يوم من الايّام من دون معجزة ما!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي