No Script

ترامب نسخة شقراء عن أوباما

تصغير
تكبير

بقي الكلام الاميركي الكبير في التعاطي مع تركيا مجرّد كلام. أظهرت إدارة دونالد ترامب مرّة أخرى، بعد خيانتها الاكراد، انّها من النوع الذي لا يمكن الاعتماد عليه. وهذا ما جعل بغض العرب يعتمد الحذر في التعاطي معها.

جاءت زيارة نائب الرئيس الاميركي مايك بنس لتركيا برفقة وزير الخارجية مايك بومبيو لتؤكد ان لادارة ترامب حسابات خاصة بها تجعلها تتخلى عن حلفائها في حال دعت الحاجة الى ذلك، على الرغم من كلّ التضحيات التي يمكن ان يقدّمونها. تبيّن ان الولايات المتحدة ليست مستعدّة للتضحية بعلاقتها بتركيا من اجل حفنة من الاكراد في سوريا. اثبتت مرّة أخرى حجم لااخلاقيتها عندما يتعلّق الامر بمجموعة وقفت الى جانبها في الحرب على الإرهاب وعلى "داعش" على وجه الخصوص. اكتفى دونالد ترامب في تبريره للتخلي عن الاكراد بقوله انّهم "ليسوا ملائكة". هذا صحيح ولكن لماذا اكتشف ذلك بعد كلّ هذه السنوات من التعاون معهم؟

ظهر، مع مرور الوقت، انّ دونالد ترامب لا يختلف كثيرا عن باراك أوباما، عندما يتعلّق الامر بالمبادئ الكبرى، مثل حريّة الشعوب. الدليل على ذلك واضح كلّ الوضوح. ما الذي يختلف فيه ترامب عن أوباما عندما يتعلّق الامر بالشعب السوري الذي انتفض على نظام اقلّوي لا يؤمن سوى بنهج واحد هو الغاء الاخر؟ لم يفعل ترامب شيئا للسوريين الباحثين منذ العام 2011 عن نوع من كرامة. على العكس من ذلك، عمل كلّ ما يستطيع عمله من اجل بقاء النظام في دمشق وتمكينه من متابعة حربه على شعبه بواسطة ايران والروس في الوقت ذاته. لدى ايران ميليشياتها المذهبية التي تقاتل السوريين ولدى روسيا سلاح الجوّ وقوات على الأرض تتولّى مهمات لا يستطيع غيرها توليها من نوع الفصل بين الاكراد والأتراك في مناطق سورية معيّنة وعندما تدعو الحاجة.

ما الذي فعله ترامب من خلال بنس وبومبيو اللذين التقيا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان؟ استسلم عمليا للرغبات التركية من جهة وسلّم الملف السوري بكامله الى روسيا من جهة أخرى. عمليا، صارت تركيا في سوريا وستسيطر على منطقة بعمق ثلاثين كيلومترا بموافقة أميركية. هذا هو الواقع الجديد في سوريا. في حال قبول الاتراك بعودة الجيش التابع للنظام الى مواقع على الحدود الرسمية بين البلدين، ستكون هذه العودة ذات طابع شكلي لا اكثر. ما حصل هو ان تركيا ستقيم "منطقة آمنة" في العمق السوري. سترسل الى هذه المنطقة مواطنين سوريين لجأوا الى أراضيها. لن يريح ذلك تركيا فحسب، بل سيريح ايضا الاوروبيين الذين كانوا في العمق مع العملية العسكرية التركية في الشمال السوري ورفعوا صوتهم معترضين عليها من باب رفع العتب ليس الّا. هناك في نهاية المطاف رغبة أوروبية في تفادي تدفّق لاجئين سوريين على دول القارة، خصوصا المانيا.

جاءت العنتريات التركية لترامب، بما في ذلك الرسالة العجيبة الغريبة التي وجهها الى اردوغان، لتتوج سلسلة من التصرفات التي لا تنمّ سوى رغبة في تقليد باراك أوباما وان بطريقة غير مهذّبة.

بدأت علامات الاستفهام في شأن جدّية إدارة ترامب تطفو منذ التدخل الاميركي، بناء على طلب بريطاني، لمنع استعادة الحديدة من الحوثيين في ايّار – مايو 2018. معروف ان بريطانيا مهتمّة بالمحافظة على الحوثيين لاسباب خاصة بها في مقدّمها مستقبل ميناء الحديدة على البحر الأحمر. لكنّ الطفل يعرف ان لا فائدة من التفاوض مع الحوثيين عبر الوسيط الدولي مارتن غريفيث او من دونه في غياب انتصار عسكري في حجم استعادة الحديدة. لم يظهر في ايّ وقت اهتمام أميركي جدّي في اليمن وفي الدور الايراني الذي لا يستهدف سوى السيطرة على قسم من هذا البلد وتحويله الى قاعدة تهدّد امن كلّ دولة من دول الخليج العربي، في مقدّمها المملكة العربية السعودية.

لم يحدث أي تطور يشير الى رغبة أميركية في ترجمة الكلام الجميل الى أفعال، لا بعد اسقاط ايران طائرة من دون طيّار فوق مضيق هرمز ولا بعد الاعتداء الايراني على منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة "أرامكو"، ولا قبل ذلك، لدى حصول الاعتداء الايراني المموّه جيدا على ناقلات للنفط قبالة ميناء الفجيرة الاماراتي.

هناك ما يدعو الى القلق بسبب التصرّفات الاميركية، خصوصا بعدما ابعد ترامب جون بولتون من موقع مستشار الامن القومي. كان بولتون شخصا واضحا يعرف الكثير عن ايران وتصرفاتها وسلوكها العام. ان دلّ التخلّص من بولتون على شيء، فهو يدلّ على رغبة في مهادنة ايران والسعي الى إيجاد تسوية معها وذلك على الرغم من تمزيق الرئيس الاميركي للاتفاق في شأن الملف النووي معها.

لا يمكن تجاهل انّ العقوبات الاميركية على ايران اثرت عليها كثيرا، بل تكاد تخنق اقتصادها. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أيضا انّ هذه العقوبات لم تؤد بعد الى كبح المشروع التوسّعي للملالي الذين يديرون شؤون "الجمهورية الإسلامية"، وهو مشروع يقوم على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية في كلّ المنطقة العربية من اجل تمزيقها.

الخوف كلّ الخوف من استمرار حال الفوضى التي تسود واشنطن حيث يبني المقيم في البيت الأبيض كلّ مجده على انّه معترض على كلّ ما قام به سلفه، فاذا به نسخة أخرى عن باراك أوباما ولكن بشعر اشقر وخطاب سياسي اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّ لا علاقة له بالديبلوماسية من قريب او بعيد.

من حق كلّ من يتعاطى مع دونالد ترامب التزام جانب الحذر. وعد بالتصدي لإيران بعدما تلا خطابا يصف بدقة ليس بعدها دقّة سياستها العدوانية ليس تجاه الدول العربية فحسب، بل تجاه الولايات المتحدة أيضا. اكتفى بالعقوبات وانصرف الى الاعداد باكرا للعودة الى البيت الأبيض بعد انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر 2020.

هل تكون المنطقة كلّها، وليس اكراد سوريا وحدهم، ضحيّة الحملة الانتخابية لترامب التي تقوم على تفادي أي صدام عسكري مع ايّ احد في أي منطقة من العالم؟

بكلام أوضح، وعد دونالد ترامب بالكثير ولم يقدّم سوى القليل. لم يكن في نهاية المطاف سوى نسخة أخرى عن باراك أوباما الذي اختزل كلّ مشاكل الشرق الاوسط والخليج بالملفّ النووي الايراني. لماذا لا يقول دونالد ترامب صراحة انّ اميركا قرّرت مغادرة الشرق الاوسط والخليج، على غرار ما فعلته بريطانيا أواخر ستينات القرن الماضي. لماذا لا يقول انّ المنطقة كلّها لم تعد تهمّه وان على كلّ دولة من دول المنطقة تدبّر امورها بنفسها؟  

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي