No Script

الكاظمي نجح في توحيد الجهود لمواجهته

«داعش» المتواري يضرب في سورية والعراق

No Image
تصغير
تكبير

لم يغادر تنظيم «داعش»، العراق وسورية قط، بل فقد سيطرته على كل المدن، ليصبح قوة تعتمد على إرهاب القرى المعزولة والقوات الأمنية المحلية والمخاتير ويهاجم أفراده بأعداد قليلة مواقع جيشي البلدين قبل أن ينسحب تحت جناح الليل لعدم استطاعته الحفاظ على الأرض.
ومن الواضح أن «داعش» لا يريد البقاء في أي بقعة يهاجمها في الوقت الراهن ما دام لا يمتلك القدرة على ذلك ولا الأعداد الكافية من المسلحين التابعين له، ولأن القوة التي يجابهها اليوم في العراق وسورية تمرست في محاربته ولم تعد تخشاه ولا تخاف من أسلوبه المفاجئ والدموي، إلا أن هدفه إبقاء القوات الأمنية منشغلة ليجذب الشباب إليه، وليقول لمن يفرض عليهم الخوّة - أي الضريبة - إن عليهم الدفع أو الموت.
لكن «داعش» ينجح في استنزاف بعض القوات ويشاغلها على جبهات عدة، وهدفه قتل ما يستطيع من القوات والأفراد والمدنيين ليعلن أنه لم يمت ولتتحدث الأخبار عنه.


فبعد معركة باغوز عام 2019 ومعركة الموصل عام 2017 وتحرير العراق الشمالي، بدأ التنظيم يستخدم وحدات قتالية صغيرة تتحرك بسرعة وتفاجئ أعدائها في أرض يعرفها جيداً.
ومن الواضح أن «داعش» أسس لهذه المرحلة أيام سيطرته على أجزاء من العراق وسورية، واستثمر في مشاريع تدر عليه المال في شكل متواصل وخبأ بعض منها للأيام السود. وهذا يعني أنه يستطيع أن يكمل مشواره ولو في شكل محدود، لأنه يمتلك الذهب والمال في مخابئه والمتدفق ولو على نحو أقل من قبل، لأنه لا يحتاج للصرف على «دولة» و«جيش»، بل إن التزاماته المادية تقتصر على مجموعات صغيرة متخفية بين الناس أو في جحور في مناطق شمالية وعرة يعلم تضاريسها.
وقد نفذ «داعش» هجمات في الرقة وحمص وصحراء تدمر ودير الزور والميادين والحسكة حيث يتحرك في مناطق صحراوية شاسعة مفتوحة تتيح له الضرب والهروب للاختباء من جديد، وليحارب في يوم آخر على عكس هجماته العشوائية الكبيرة التي كان يقوم بها بين أعوام 2014 و2017.
ولم يغير هذا التنظيم أسلوبه بتهديد السكان والمخاتير، وهو ناشط بقوة على ضفاف شرق الفرات حيث يحاول تطبيق ما يزعم أنه «الشريعة الإسلامية» التي اتبع دربها، مثل عدم توظيف النساء في المتاجر والالتزام بأوقات الصلاة، وتنفيذ عمليات قتل وتفجير لمن يخالف الأمر في المناطق المحررة والتي تعتبر خارجة عن سيطرته ولكنه كان مسيطراً عليها سابقاً.
في العراق، استغل «داعش» التظاهرات والأزمة الاقتصادية والحكومية ليهاجم البنية الاقتصادية والزراعية. فبدأ بحرق محاصيل القمح التي يعتمد عليها العراق ومزارعوه ليزيد من غضبهم على الدولة ومن فقرهم ليصبح أبناؤهم قابلين للالتحاق بمورد آخر يقدمه التنظيم لهم.
وفي خضم المعركة بين إيران وأميركا في العراق، واغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس والفراغ الحكومي الطويل، بدأ «داعش» في شهر رمضان (وقبله)، هجماته بمجموعات صغيرة على أهداف تركزت حول المناطق المتنازع عليها بين الأكراد وحكومة بغداد وفي المناطق الصحراوية في الأنبار وعلى الحدود السورية - العراقية.
واستهدف «الحشد الشعبي» و«الحشد العشائري» في صلاح الدين ونينوى وخانقين وديالى وجرف النصر والموصل. وهو يهاجم خطوط النفط والغاز ويفرض ضرائب على السيارات والناقلات وعلى المتاجر التي تقع في مناطق وجوده فيها بقوة ويعلم بحال سكانها ومكسبهم.
وقام بسلسلة عمليات اغتيال ليذهب من يخالفه أو من لا يدفع له في شمال وشرق العراق وغربه. وقد تعامل مع عدد كبير من المسؤولين المخالفين له كمرتدين خصوصاً بين السكان السنّة.
ويهدف التنظيم للسيطرة على طرق النقل الرئيسية ليدعم قواته وخلاياه ويفرض الخوة على الشاحنات والسيارات المحملة بالبضائع، كما كان يفعل في السابق. وهذا من شأنه إدخال ملايين من الدولارات الشهرية إلى خزينته، علماً أنه لا يحتاج إلى الكثير من المال اليوم للبقاء على قيد الحياة وإشغال القوى الأمنية وفرض وجوده من جديد ولو في شكل محدود.
وأعلن «داعش»، العراق ولاية واحدة بعد أن كانت مجزأة، بحسب المحافظات، ليوحد جهوده وإعلامه ورسائله للعالم. ويقدر الخبراء وجود أكثر من عشرة آلاف إرهابي على الأرض يتحركون في مناطق مختلفة وبمرونة كبيرة في التنقل ومنهم «الخلايا النائمة» التي تختبئ بين السكان.
أما بغداد، فقد أعادت تنظيم عمل القوات الأمنية وأوقف رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي النزاعات داخل «الحشد» وبين «الحشد» وقوات مكافحة الإرهاب، ليفرض على كل القوى هدف واحد، لا ثاني له: التعاون لدحر ما تبقى من «داعش».
وقد بدأ الجيش العراقي مدعوماً من «الحشد» وقوات مكافحة الإرهاب سلسلة عمليات في مناطق مختلفة للبحث عن بقايا التنظيم المختبئ في الصحراء أو الكهوف. ويبقى عمل جهاز المخابرات للكشف عن «الخلايا النائمة» ومطاردتها وإيقافها.
إنها ليست بالعملية السهلة. فأي قوة تمتلك المبادرة وتهاجم ليلاً تحتاج لمعلومات دقيقة وقوية من المخابرات للقضاء عليه، وإلا فانه يستطيع بسهولة الوصول إلى المراكز النائية غير المحمية لتنتصر عليها ويتحدث الناس والإعلام عن «إنجازاته».
لن تستطيع سورية والعراق إنهاء «داعش» بين سنة وأخرى، خصوصاً أن هذا التنظيم احتل أرضاً أكبر من حجم إنكلترا وأدارها وعلِم خفاياها واكتسب الخبرة ليتعلم من أخطائه. إلا أن إعادة بيئة حاضنة له كما كان الأمر قبل 2014 لن يكون سهلاً أبداً، وتالياً فإن عمليات الكر والفر... ستبقى.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي