No Script

المشرّع تشدّد حتى جعلها مجنياً عليها في كل مواقعة أو هتك عرض بالرضاء طالما أنها لم تبلغ 21 عاماً

مُبالغة قانون الجزاء في حماية الأنثى القاصر تحوّلت من تحصين إلى حرية جنسية بذريعة نقصان الإدراك

تصغير
تكبير

أنثى تبلغ 20 عاماً ترتكب مواقعة جنسية مع ذكر عمره 15 فتكون في نظر القانون مجنياً عليها وهو مجرّم

التشريع تناقض في التفريق بين المواقعة والتحريض فلم يعتد برضاء الأنثى في الأولى واعتبرها فاعلاً أصلياً في الثانية

تناقضٌ آخر في التشريع بين المواقعة بالرضاء والزنا ففي الأولى الأنثى مجنيّ عليها والمتزوجة في الثانية مسؤولة جنائياً

متزوجة عمرها 17 عاماً ترتكب جريمة زنا فتحاسب جنائياً ولو تطلقت ودخلت في مواقعة تصبح غير كاملة الإدراك

كيف نقبل بعدم مساءلة قاصر ترتكب «هتك عرض» بالرضاء بينما نسائلها إذا استخدمت الحيلة أو الإكراه فيه؟!

الواقع يتطلب إجراء تغيير جذري في كل الجرائم الجنسية من دون استثناء

 

أقام القانون الكويتي حدوداً واضحة لقيام المسؤولية الجزائية، وحددها بسن السابعة كانطلاقة لإمكانية محاسبة الشخص جنائياً، وفق كل من نص المادة 18 من قانون الجزاء الكويتي، والمادة 2 من قانون الأحداث 111 /‏‏‏‏‏‏2015، وهي مسؤولية جزائية بطبيعتها مخففة، طالما أن الفرد لم يكمل سن الثامنة عشرة يوم اقتراف الفعل، كما تشير المادة 1 من قانون الأحداث، التي عرفت الحدث بأنه «كل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره» حيث إن المشرع الكويتي يأخذ بالمسؤولية الجزائية التصاعدية للأحداث، يبدأ معه بمرحلة انعدام التمييز، وهي ما دون السابعة، ومن ثم مرحلة التمييز والإدراك الناقصين، وهي ما فوق السبع سنوات وما دون الثامنة عشرة، ومرحلة الإدراك الكامل وهي سن كمال الأهلية الجنائية لمن جاوز الثامنة عشرة. كما أن تطبيق تلك القواعد لا يخضع للممايزة بين الذكر والأنثى، فكل من لم يبلغ الثامنة عشرة حدث تطبق عليه قواعد قانون الأحداث، ويغدو كامل الأهلية الجنائية بمجرد بلوغه لتلك السن العمرية.
كما أن المشرع الجزائي الكويتي لم يفرق بين الذكور والإناث في سن اكتمال الأهلية الجزائية وفق القانون 16 /‏‏‏‏‏‏1960، بإصدار قانون الجزاء، إلا أنه عدل عن هذا التوجه بتعديل تشريعي جوهري ظاهره إصلاح وباطنه مفسدة وانحراف، حيث أتى المشرع بالقانون 62 /‏‏‏‏‏‏1976 ورفع سن الأهلية الجنائية للأنثى في المواقعة الجنسية التي تتم بالرضاء إلى 21 عاماً وفق نص المادة 188 من قانون الجزاء، كما رفع سن الأهلية الجنائية للأنثى والذكر إلى السن العمرية ذاتها في جرائم هتك العرض بالرضاء، وفق نص المادة 192 من القانون ذاته ، إلا أنه لم يرفع سن الأهلية الجنائية للأنثى في جرائم الزنا، وبالتالي تعد الأنثى مسؤولة جزائياً في جرائم الزنا - كما يراه جانب من الفقه - وفق القاعدة العامة وهي ابنة ثمانية عشر عاماً. وقد برر المشرع موقفه برفع سن الأهلية الجزائية للأنثى، معتبراً أنها غير مكتملة النضج، كما أنها غير كاملة الإدراك في تلك الجرائم، وأن رضاها في إتيان السلوك الجنسي ليس إلا وليد غواية واستغلال نتيجة لعاطفة جامحة، وبالتالي لا اعتداد برضاء الأنثى الذي لم يكن سوى نتيجة لمقدمات أتاها الرجل إشباعاً لغرائز جنسية بغير الطريق الشرعي.
كما أشارت المحكمة الدستورية الكويتية في حكمها رقم 4 لسنة 2007، بأن المفاضلة بين الذكر والأنثى في جريمة المواقعة، وإن تماثلاً في المراكز القانونية، ليس تمييزاً مخالفاً لمبدأ المساواة، طالما استند ذلك لاعتبارات اجتماعية قوامها حماية الأسرة الكويتية. والحقيقة كما نراها أن الإشكالية لا تكمن في مبدأ المساواة أمام القانون، بل في مبدأ الملاءمة في التشريع والذي يستقل في تقديره المشرع وفق حقه السيادي وسلطته التقديرية.

تناقض المشرع الجزائي
لم تأتِ سياسة المشرع الكويتي تجاه الأنثى متسقة في مجمل جرائم العرض والسمعة، وأخصها المواقعة الجنسية وهتك العرض والزنا والتحريض على الفجور والدعارة والفعل الفاضح. ووقع المشرع في تناقضات غير منطقية في المواد من 186 إلى 201 من قانون الجزاء، والسبب في ذلك أنه بالغ في حماية الأنثى جنسياً حتى جعلها مجنياً عليها في كل مواقعة بالرضاء أو هتك عرض بالرضاء طالما أنها لم تبلغ من العمر 21 عاماً. وتتبلور أوجه التناقضات في الآتي:
أولاً، إدراك طبيعة الفعل: إن رفع سنة الأهلية الجنائية للأنثى إلى 21 عاماً يخالف السياسة الجزائية العامة في المسؤولية الجزائية التصاعدية للأحداث، حيث إن الأنثى ما إن تبلغ سن 21 حتى تنتقل تلقائياً من مرحلة انعدام المسؤولية الجزائية في الجرائم الجنسية إلى المسؤولية الجزائية الكاملة، أي أنه الانتقال الآني من العدم إلى كمال الإدراك، وهو يناقض سلامة المنطق في شأن التدرج في المسؤولية الجزائية.
كيف يمكن قبول أن دخول الأنثى التي تبلغ سن 15 ودون 21 عاماً في مواقعة جنسية كاملة وبالرضاء، أن تكون غير مدركة لطبيعة فعلها أو أن رضاءها غير معتبر، أو أن سلوكها كان وليد غواية وتحريض من الرجل، في حين أن دخول الذكر الذي يبلغ السن العمرية ذاتها مسألة يقبلها القانون ويقيم عليها المسؤولية الجزائية؟! لو ارتكبت أنثى تبلغ من العمر 20 عاماً مواقعة جنسية مع ذكر يبلغ من العمر 15 عاماً فإنها في نظر القانون بريئة مجني عليها غير مدركة، وأن فعلها كان وليد غواية وتحريض، بينما الذكر مجرم جانٍ مدرك لطبيعة فعله عالم بما يأتيه من تصرفات.
ثانياً، التناقض بين المواقعة الجنسية والتحريض على الفجور: طالما أن المشرع الجزائي قرر ألا يعتد برضاء الأنثى التي لم تبلغ 21 عاماً في جرائم المواقعة بالرضاء، تحت ذريعة أنها غير كاملة الإدراك وفق نص المادة 188 من قانون الجزاء، فكيف يتصور لذات الأنثى أن تكون فاعلاً أصلياً في جريمة تحريض على الفجور، وفق نص المادة 200 من القانون ذاته، واعتبارها مدركة لتصرفاتها ولسلوكها غير المنضبط، علما أن أعمال الفجور والدعارة محل التحريض قد تشكل السلوك المادي ذاته لجريمة المواقعة بالرضاء المنصوص عليها وفق نص المادة 188. فإذا قامت أنثى تبلغ من العمر 19 عاماً بتحريض ذكر على مواقعتها جنسياً وتمت المواقعة لا تسأل جزائياً عن جريمة المواقعة باعتبارها غير مدركة لطبيعة فعلها، وأن إدراكها لم يكتمل بينما ستحاسب باعتبارها بالغة مدركة لتصرفاتها في جريمة التحريض على الفجور. كيف يستقيم هكذا المنطق؟
ثالثاً، التناقض بين المواقعة بالرضاء والزنا: تقع جريمة الزنا من الأنثى التي لم تكمل 21 عاماً، كما يراه جانب من الفقه الكويتي والقضاء وفق نص المادة 195 (محكمة التمييز طعن رقم: 99/‏‏‏‏‏‏318 جزائي و61 لسنة 1975) أمام عمومية النص الذي لم يحدد سناً عمرية للاعتداد بالرضاء، وبالتالي يخضع لقواعد المسؤولية الجنائية للأحداث أو البالغين على حسب الأحوال. وجوهر التناقض أن المشرع يرى في الأنثى العزباء التي تبلغ 21 عاماً مجنياً عليها في مواقعة بالرضاء وفق نص المادة 188 بينما يرى في الأنثى القاصر المتزوجة حتى لو بلغت من العمر سبعة عشر عاماً واعية ومدركة لتصرفاتها ومسؤولة جنائياً عن جريمة زنا وفق قواعد قانون الأحداث. وتكمن الطرافة في المثال التالي: لو أن أنثى قاصراً متزوجة وتبلغ من العمر 17 عاماً ارتكبت جريمة زنا تحاسب أمام القانون باعتبارها مسؤولة جنائياً ومدركة لطبيعة الفعل، بينما لو تطلقت ذات الأنثى القاصر ودخلت في مواقعة جنسية فإنها تعود للمربع الأول باعتبارها غير كاملة الإدراك وفق نص المادة 188. فكيف يستقيم عقلاً أن ينتقل الإدراك من النقص إلى الكمال ثم يعود إلى النقص مرة أخرى!
والحقيقة لا نتفق مع من يرى أن رابطة الزوجية من شأنها إكمال وعي الأنثى فالعقد الشرعي لا يغير من إدراكها بل الخبرة والتجربة هي من تفعل ذلك. وإذا أجزمنا بتعاصر الزواج مع الخبرة فمن باب القياس يمكن أن نجزم باكتمال إدراك الأنثى القاصر العزباء التي اعتادت الدخول في علاقات جنسية متعددة لذات السبب... الخبرة.
رابعاً، التناقض بين المواقعة وهتك العرض: لا يقع هتك العرض بالرضاء من الأنثى أو الذكر، طالما أنهما لم يبلغا سن 21 عاماً، وفق تفسير نص المادة 192، التي أشارت إلى الذكر والأنثى باعتبارهما مجنياً عليهما، إلا أن نطاق المادة يشمل الفاعل الأنثى أو الذكر ممن لم يبلغ 21 عاماً وفق ذات المبررات لجريمة المواقعة وهي عدم اكتمال الإدراك.
بيد أن هتك العرض إذا كان بالإكراه أو التهديد أو الحيلة يخضع للقواعد العامة في المسؤولية الجنائية، بدءاً من سن السابعة وفق قانون الأحداث. والتساؤل المطروح كيف نقبل بعدم مساءلة الأنثى التي ترتكب هتك عرض بالرضاء إذا لم تبلغ سن الحادية والعشرين عاماً وفق نص المادة 192 بينما نسائلها في ما لو استخدمت الحيلة أو الإكراه في ارتكاب هتك العرض وفق نص المادة 191؟!
كما يقع التناقض بين جريمتي المواقعة وهتك العرض في المثال الآتي: لو أن أنثى تبلغ من العمر 19 عاماً دخلت في مواقعة بالرضاء مع رجل بحضور صديقتها، وأثناء ارتكاب الجريمة قامت تلك الأنثى واستطالت بالإكراه أو الحيلة على عورة صديقتها دون رضائها، ففي هذا المثال يرى القانون بأن الأنثى القاصر في ما يتعلق بسلوك المواقعة مع الرجل غير مكتملة الإدراك، بينما في ما يتعلق باستطالتها على عورة صديقتها واعية ومدركة ومسؤولة جنائياً مسؤولية كاملة وفق نص المادة 192. كيف يستقيم ذلك المنطق؟!
خامساً، التناقض بين هتك العرض بالرضاء والفعل الفاضح: لم يعدّل المشرع الجزائي بسن الفاعل في جريمة الفعل الفاضح العلني، وفق نص المادة 198 من قانون الجزاء، وهو ما يوقع التناقض عندما بالغ المشرع في حماية الأنثى والذكر على حدٍ سواء في نص المادة 192، حيث إن قيام الأنثى بممارسة سلوك هتك العرض بالرضاء في مكان عام يحقق جريمتين وفق التحليل المجرد (هتك عرض+ فعل فاضح) إلا أن المشرع قد أعفاها من هتك العرض، معتبراً إياها مجنياً عليها غير كاملة الإدراك، بينما هي مسؤولة جنائياً ومدركة في جريمة الفعل الفاضح والتي اتحدت مع جريمة هتك العرض في السلوك المادي.


نتائج كارثية
يتبيّن من خلال استقراء نصوص الجرائم الجنسية في قانون الجزاء الكويتي وما يرافقه من مبالغة في حماية الأنثى القاصر إلى تحوّل الأمر من حماية جنسية للأنثى القاصر إلى حرية جنسية تحت ذريعة نقصان الإدراك. فالأنثى العزباء دون سن 21 من العمر لا تُساءل عن أي علاقة جنسية أو اتصال جنسي تم بالرضاء. والشواهد في الأحكام القضائية ليست بالقليلة في قيام إناث لم يبلغن 21 من العمر بالدخول في علاقات جنسية متواترة، خارج إطار الزوجية ومعاشرة الذكر معاشرة الأزواج، وفي نهاية المطاف يحكم عليهن بالبراءة ويحكم على الرجل بالإدانة (راجع طعن رقم 468 لسنة 2011 جزائي). وبناءً عليه، يستوجب على المشرع الكويتي التوجه إلى إجراء تغيير جذري في كل الجرائم الجنسية دون استثناء عبر استحداث فلسفة أكثر بساطة ومعالجة أكثر وضوحاً.

تأثير العقلية الشرقية على موقف المشرع الكويتي

إن معالجة المشرع الكويتي في رفع سن الأهلية الجنائية للأنثى في بعض الجرائم الجنسية، ليست تطبيقاً لقواعد الشريعة الإسلامية، حيث إن هذه الأخيرة لم تأتِ بممايزة في الأهلية الجنائية بين الأنثى والذكر بل جعلت انطلاقة المسؤولية تكمن في عنصر البلوغ، بينما يكمن موقف المشرع الكويتي في سيطرة العقلية الشرقية على طبيعة العلاقة الجنسية والتي تستند للأفكار التالية:
1 - العلاقة الجنسية بشكل عام والمواقعة بشكل خاص ذكورية النشأة والذكر سبب إتيان تلك العلاقة، وهذه فلسفة خاطئة مجحفة بحق الرجل كما أنها تقصي الأنثى من دائرة الانحراف وتحصره في الرجل.
2 - العلاقة الجنسية تحقق إشباعاً ذكورياً فقط في كل أحوالها... وهذا انحراف عن المنطق السليم لأن العلاقات الجنسية التي تتم بالرضاء تحقق إشباعاً متبادلاً لمقترفي السلوك من دون أن نحصر ذلك في الذكر دون الأنثى.
3 - الذكر هو من يبادر في إغواء الأنثى والسيطرة على عاطفتها الجامحة من دون أن يتصور المشرع عكس ذلك إلا في التحريض.
4 - المشرع حتى في جريمة زنا المحارم التي تتم بالرضاء، أورد عقوبة جزائية للأنثى أخف وطأة من المقررة على الذكر من دون أي مبرر.

عناصر الفلسفة التشريعية المطلوبة في الجرائم الجنسية

• توحيد سن الرضاء المعتد به في الجرائم الجنسية بـ15 بدل 21 عاماً
• اعتبار صاحب الرضاء مسؤولاً جزائياً عن سلوكه ذكراً كان أو أنثى
• إلغاء كل ذكر لجنس الفاعل أو المجني عليه في جرائم المواقعة
• النهوض بفلسفة جديدة للجرائم الجنسية بالإكراه أو الرضا سواء للمواقعة أو هتك العرض
• كل مواقعة تمارس بالإكراه أو التهديد أو الحيلة تُعد في مقام الاغتصاب وتوحد معالجته
• عدم اشتراط صفة الذكورة ولا الأنوثة في ممارسة المواقعة
• المساواة في العقوبة بين الذكر والأنثى في جرائم زنا المحارم

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي