No Script

رؤية

بطن مصر وبطن الكويت

تصغير
تكبير

تعرّضت الشخصية العربية لتغيّر كبير في السلوك، أعقاب أحداث الربيع العربي وإحباطاته، فتحولت من رحابة التسامح وتجاوز أخطاء الآخرين ولغوهم إلى حيز الضيق بهم والشك في نواياهم والعصبية المفرطة، وقد ظهر هذا التغير بوضوح على المجتمع المصري المتسامح بطبيعته، الصبور والمعطاء، دائم الابتسام، وبالغ التهذيب.
بينما كانت الشعوب العربية تعاني من زيادة الفقر وارتفاع معدلات البطالة، إما لقلة الموارد وإما لنهبها من قبل بعض السلطات الحاكمة أو لسوء إدارة الحكومات لموارد بلادها، نزحت أعداد كبيرة من مواطني تلك الدول في مخاطرات غير محسوبة العواقب إلى الخليج أملاً في كسب الرزق، وهو وإن تحقق للكثيرين، فقد ظل البعض بلا عمل ثابت وبلا دخل مضمون، بسبب الكثافة العددية للوافدين، والتي بلغت في الكويت مثلاً ضعفي تعداد مواطنيها الذي لا يزيد على 1.4 مليون نسمة.
وبينما هي في حالها هذه... بين ضيق وشدة، اكتسحت جائحة كورونا المستجدة العالم، فتعطّلت الأعمال وانقطعت موارد الرزق وتحوّل القلق بين أفراد هذه العمالة غير المستقرة الدخل إلى غضب والغضب إلى عصيان، ورفض للحالة الصعبة التي تعيشها، أسقطه بعض الاخوة المصريون المقيمون في الكويت عليها وعلى الكويتيين، فضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالشطط في القول، بل وبلغ الأمر حد تبادل الإهانات بين جماعات محدودة العدد والوعي من الطرفين.
لم تواجه الكويت صعوبة في ترحيل مخالفي الإقامة من جميع الجنسيات إلى بلادهم، إلا أن الحكومة المصرية وضعت قيوداً مشدّدة على الراغبين من رعاياها بالعودة إليها عزتها إلى تخوفها من تفشي الجائحة فيها، وهو سبب وجيه وحماية ضرورية للبلاد لجأت إليها كل دول العالم بما فيها الكويت، وقابلها المصريون الغاضبون بالرفض للتكلفة الباهظة التي اشترطتها الحكومة المصرية، وإزاء إصرارهم على العودة، قامت الكويت بتحمل تكاليف عودتهم.
إن من أسباب زيادة الاستياء الشعبي على الحكومة الكويتية، تراخيها في تعديل خلل التركيبة السكانية الذي حرم المواطن من الاستفادة من خدمات الدولة في التعليم والصحة، وأدى إلى تراجعهما واستنزاف البنية التحتية للبلاد وهدّد - ويهدّد - أمنها الاجتماعي وساهم في انتشار الفساد فيها، ورغم أن البطالة لا تزال ضمن الحدود القابلة للتعديل إلا أن الفساد الإداري ومحاباة بعض كبار الموظفين لبعض الوافدين، وتفضيلهم على الكويتيين في المناصب والرواتب بشكل سافر، أدى إلى إثارة الرأي العام وسخطه، وأسقط البعض غضبه على المستفيدين من هذا التفضيل من الوافدين، بدلاً من توجيهه ضد هذه القلة من مسؤولي الإدارات الحكومية، خصوصاً وأن إجمالي العاملين في الجهاز الحكومي من الوافدين لا يتجاوز 100 ألف.
يقول المثل الشعبي المصري الجميل مهوناً من أي خلاف بين الإخوة كالطارئ هذه الأيام بين بعض المصريين والكويتيين: «مصارين البطن بتتخانئ»، ونقول: ستذهب «الخنائة» جفاء كزبد البحر وتمكث المودة راسخة ثابتة بين الشعبين.

dralialhuwail@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي