No Script

إضاءات

العنصرية... ضد الإنسانية

No Image
تصغير
تكبير

حينما نتحدث عن لحمتنا ووحدتنا الوطنية، يجب علينا أن نكون حذرين من أولئك الذين يبثون روح العنصرية في مشاعر وأفكار شبابنا - وأقول شبابنا لأنهم الأمل والمستقبل الذي يتطلع إليه الوطن في المقبل من الأيام - وأرى أن هذه الظاهرة دخيلة على مجتمعنا، بل إنها حديثة وليس لها سند أو دليل على الأقل قبل السنوات العشر الأخيرة، وأنها ظهرت على استحياء، وبمرور الوقت أطلت علينا برأسها مهددة استقرارنا الذي نتمسك به لأبعد الحدود.
ثم بدأت هذه الظاهرة تنتشر بشكل ملحوظ ومؤلم، لتصل الآن إلى مستويات خطيرة، تستدعي وقفتنا والتصدي لانتشارها المحموم بين بعض فئات مجتمعنا، ومن ثم دراسة الأسباب التي أدت إلى انتشارها، وتفاقمها، ليس على مستوى شبابنا فحسب ولكنها امتدت حتى إلى بعض الذين نرى أنهم يتسمون بالعقل والحكمة.
والمتابع لهذه الحالة - أو بالأحرى الظاهرة الجديدة على مجتمعنا - سيرى أن حدتها ازدادت مع زيادة انتشار الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، تلك التي وجدت خصيصاً من أجل أن تقرب المسافات بين مستخدميه الذين من المفترض أنهم يختلفون في العادات والتقاليد والأفكار وحتى المعتقدات السياسية والدينية والفكرية، وبالتالي نشر الوعي الثقافي والحب الإنساني.
ولكن الذي حدث غير ذلك تماماً ليس في الكويت فقط ولكن في مختلف بلداننا العربية، وما يعنيني هنا هي الكويت، بلدي الذي تربينا فيه على الحب والتعاون والأخوة المتبادلة بين كل البشر.
فقد لاحظت مثلما لاحظ الكثيرون مثلي أن تلك الظاهرة الدخيلة «العنصرية» بدأت أولاً من خلال التعرض للوافدين، بوصفهم الحلقة الأضعف، وبالتالي الادعاءات التي تحملهم كل كبيرة وصغيرة تحدث، مع العلم بأن معظمهم عاش لفترات متناهية في الطول على أرض الكويت، وكل أصدقائه الذين يعرفهم فيها، وبعضهم ولد فيها، أو أن أولاده من مواليدها، فهل نتعامل معهم بعد ذلك بالعنصرية؟ بالطبع لا فالكويت أعظم من أن تتعامل مع من يقدرها إلا بمثله وأكثر منه، ومن يخطئ أو يسيء، فالقانون له بالمرصاد، ثم زحفت العنصرية إلى البدون، الذين يعيشون بيننا ومن المفترض أن نكون في صفهم ونحاول أن نخفف من معاناتهم خصوصاً في سعيهم لتوفير الحياة الكريمة لأسرهم وأطفالهم من تعليم وصحة وخلافه.
ولكن الأكثر ألماً أن هذه العنصرية امتدت لتصل إلى بعض المواطنين ضد مواطنين آخرين، مما قد يضر بوحدتنا الوطنية، ومن اللافت أن هذه العنصرية تظهر حتى في الاختلاف الناتج عن وجهات النظر، ومن ثم ظهور الجدل العقيم في أمور لا تستحق هذا الاهتمام الذي يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
إنه الفراغ الذهني والفكري والديني الذي يعيشه البعض، وراء تفاقم هذه الظاهرة، مما يدفعه إلى الخوض في الجدل الذي يؤدي إلى العنصرية والاتهامات المتبادلة، وما ارجوه أن يعود هؤلاء إلى المبادئ والقيم التي تتبناها الكويت، وأن يستشعروا إنسانيتهم قبل أن يفقدوها.

*كاتب وأكاديمي كويتي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي