No Script

رؤية ورأي

شركاء في إبعاد الخطباء

تصغير
تكبير
مع بداية موسم العزاء الحسيني الحالي، تم تقديم شكوى ضد عدد من الخطباء بدعوى أنهم تطاولوا على الصحابة وفق المعايير المحددة في القانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر، وقد أرفقت مع الشكوى تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو كأدلة اتهام. وتباعاً باشرت وزارة الداخلية اجراءات إبعادهم إدارياً، وقوبلت هذه الاجراءات باستنكار شعبي، وتحركات من نواب لوقف الابعاد أو تأجيله - على أقل تقدير - إلى ما بعد عاشوراء. إلا أن الوزارة أصرت على ابعاد خطيبين اثنين من المشكو بحقهم.

رغم انزعاجي الشديد من تسفير الخطيبين لما عرف عن مكانتهما العلمية واحترامهما لمعتقدات جميع المسلمين، إلا أنني في الوقت نفسه، أدعو الله أن يكون لإبعادهما جوانب وآثار ايجابية في المجتمع كالقضاء على بعض المفاهيم المغلوطة وتصحيح بعض المنهجيات المنحرفة، وفق مقدمتها منهجية التصدي لمسلسل الفتن الطائفية.


فالمواطنون الذين تأذوا كثيرا من الفتن الطائفية، استبشروا خيرا عند صدور قانون المطبوعات والنشر في 2006، وتحديدا المادة 19 منه، التي جاء فيها «يحظر المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم أو الانبياء أو الصحابة الأخيار او زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسـلم - أو آل البيت - عليهم السلام - بالتعرض او الطعن او السخرية او التجريح بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها في المادة 29 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام الجزاء رقم 16 لسنة 1960»، ظنا منهم بأن هذه المادة كفيلة بمنع تجدد الفتن الطائفية. ولكن للأسف خاب ظن المجتمع، لأن القانون ولد مشوهاً لعدم مراعاته الثوابت الدستورية، فما كان من بعض المتطرفين إلا أن تعسفوا في توظيفه لسلب حقوق دستورية من شركائهم في الوطن.

ابعاد اثنين من الخطباء المشهورين بالطرح المتزن، بقرارات إدارية انطلقت من المحظورات التي تمت صياغتها في المادة 19 من قانون المطبوعات والنشر، دفع الناس إلى المطالبة بمعالجة مثالب تلك المادة القانونية التي سمحت لمتطرفين بإساءة استغلالها في عرقلة اقامة مجالس عزاء حسينية. لأن المعزين تيقنوا أن تلك المادة تتعارض مع المادة 36 من الدستور التي جاء فيها ان «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة».

رغم أن المجتمع لم يلتفت إلى ثغرات تلك المادة إلا بعد مرور ما يقارب 11 عاماً، إلا أنها كانت واضحة بالنسبة لعدد من المهتمين والمتابعين. فقد وصلتني تحفظات محورية على المادة منذ مداولة القانون في مجلس الأمة، من قبل عدة أشخاص كان من بينهم ناشط سياسي - عضو مجلس أمة حالٍ - وإماما صلاة جماعة. الشيخ عبدالله دشتي كان أحدهما، حيث ألف كتابا بعنوان «وقفة مع الصحابة» ألقى فيه الضوء على مفهوم الصحابة والاختلافات بين المذاهب الاسلامية في هذا المجال، كما علق على نص قانون المطبوعات والنشر، وسجل تحفظاته عليه، وكان أبرزها:

«فالنقطة الاخرى التي نعترض عليها اضافة لفظة التجريح، فهذه اللفظة من الالفاظ المحورية في علم الرجال او كما يقال علم الجرح والتعديل، والجهود الضخمة التي قام بها علماء الاسلام شيعة وسنة لتنقيح الاحاديث المروية عن رسول الله صـلى الله عليه وسلم وتنقيتها من الكذب والدس تتقوم بجرح الرجال وتمييز الضعيف المجروح من الثقة».

لا شك أن المادة 19 بحاجة إلى تعديل خاصة بعد أن اصبح المجتمع أكثر قدرة على التمييز بين التطاول وبين البحث العلمي، كما أصبح أكثر تفهما واحتراما للحقوق العقدية والتعبدية للآخرين. بالإضافة إلى صدور حكم من محكمة التمييز بتأييد حكم الاستئناف ببراءة متهم من تهمة ازدراء طائفة دينية، وأكد الحكم في حيثياته على حرية الفكر والتعبير التي كفلها الدستور، وجواز نقل آراء المراجع الفقهية مهما كانت عباراتها قاسية. لذلك اليوم العديد من المعزين يعتبرون أنفسهم شركاء في ابعاد الخطباء، لأنهم تأخروا طويلا في مطالبة النواب بتعديل تلك المادة القانونية لتحفظ حق الخطباء في الطرح العلمي.

في الواقع، الموضوع أوسع من حماية حقوق دستورية، لأن هناك من سعى مرارا إلى تأجيج الفتن الطائفية - من خلال المادة 19 - من أجل زعزعة الاستقرار السياسي وتباعاً حل البرلمان تنفيذاً لأجندات قوى فساد. لذلك أرى أن تعديل المادة ضرورة لتحصين المجتمع أمام مشاريع تلك القوى، التي ستبحث عن خيارات أخرى لاشتعال الفتن بعد انتهاء مقاطع الفيديو المحفوظة في ارشيفها. فأنا لا استبعد أن يطالبوا مستقبلا بمنع الاحتفال بعيد الغدير - مثلا - بذريعة أن فيه تطاولا مبطنا على الصحابة. بل أنني لن أستغرب إن استعانوا بالمادة القانونية ذاتها، لإبعاد رجال دين مسيحيين من أجل إحراج الدولة أمام المجتمع الدولي.

علينا جميعاً أن نغير منهجيتنا في مكافحة الطائفية. فبدلاً من منهجية تقييد الحريات التي ثبت فشلها، علينا أن نتبنّى تعزيز الحريات الدينية في بيئة مدنية. وإلا فإننا سنستمر كشركاء في ابعاد الخطباء... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي