No Script

قيم ومبادئ

الهوية بين الانفلات والجمود

تصغير
تكبير

إن أزمة الثقافة العربية والإسلامية اليوم، أزمة متعددة الجوانب، فهي تعاني من الجمود الذي ران على العقل في الاسلام منذ القرن الرابع الهجري وإلى يومنا هذا، كما انها تعاني اليوم بصورة لا تقل خطورة عن الجمود، تعاني من الانفلات مع التقليد، وهذا مع الأسف شمل جوانب عديدة، منها سياسية واجتماعية واخلاقية ودينية وثقافية، فنجد في السياسة انفلاتاً مع تقليد للغرب في نظام الاحزاب مثلاً، وفي الاجتماع نجد تمرداً على القيم وانفلاتاً وتقليداً وفي الاخلاق وانماط السلوك ولمسنا هذا بمثقفينا المدجنين، حتى اصبح المسلمون اليوم يعيشون ثقافة غيرهم من الشعوب المستعمرة، سواء كانت فرنسية او انكليزية او ألمانية او ايطالية او غيرها.
إن الثقافة الراكدة التي لا حراك فيها، هي خاصة بأشخاص يعيشون وسط سياج اختاروه لأنفسهم، وإلا فأين بصمات ثقافتنا الاصيلة على عصرنا هذا؟
 لقد دخل علينا تيار العولمة الجارف الذي اقتحم الحدود ونزع الهويات وألغى الحواجز، حيث وجد امامه اطناناً مكدسة من كتب ومؤلفات ورسائل، هي نتاج القرن العشرين مما انتجه المثقفون العرب الذين لهثوا وراء زبالات الغرب وأنتجوا لنا هذا الركام الفكري المهلهل الذي لم يصمد طويلاً أمام تيار العولمة فسار معه يحدوه الانفلات بعدما كان مسيطراً عليه الجمود؟


 وهكذا سارت ثقافتنا بين نارين؛ الانفلات والجمود، وكلاهما يمثل فترة من الزمن حملت الغث والسمين من الكتب والمؤلفات لكنها في الحقيقة لم تمثل الامة الإسلامية تمثيلا صحيحاً. والملاحظ على هذين الاتجاهين هو تشابه القلوب قديماً وحديثاً واتحاد المنطق واتفاق الفكر الجامد الذي لا يعرف ولا يعترف الا بما هوته نفسه وألفه طبعه وسار معه، واخذوا يبنون ثقافتهم على أصول أحدثوها ولا يقبلون التحول عنها، ومنها التقليد والمحاكاة،
 فالذي لا يعقل ولا يهتدي ليس محلاً للقدوة ولا يصح ان نوكل اليه مهمة توجيه الامة.
 والقرآن الكريم أوضح لنا هذه الحقيقة، وهي ان الاقتداء يكون لمن يعقل ويهتدي، والتقليد بالخير والهدى والنور هذا يُسمى اتباعاً واقتداءً، قال تعالى عن يوسف عليه السلام {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي ابْرَاهِيمَ وَاسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا ان نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَ?لِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَ?كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} (يوسف 38)، وهذا هو الصراط المستقيم الذي يسأل المؤمن ربه الهداية اليه، وهو صراط واحد سار عليه الانبياء والرسل عليهم السلام وهو يختلف بطبيعته وبنائه عمّا كان عليه اليهود والنصارى.
 لقد خاطب القرآن الكريم فريق الجمود وفريق الانفلات وأقام عليهم الحجة بخطأ ثقافتهم واعوجاج مسيرتهم. أما فريق الجمود فحينما أتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالبراهين الواضحة الدالة على صدقه فجحدوه وردوه، فقال لهم الله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}(البقرة 170). وقال تعالى عن اصحاب الانفلات {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون71).
 فهل سنشهد طرحاً يوضح وسطية ثقافتنا بين الانفلات والجمود، تتولاه وزارة «التربية» و«الأوقاف» و«الإعلام»؟

dr.aljeeran2017@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي