No Script

ببساطة

التصعيد المستحق

تصغير
تكبير

كتبت في مايو الماضي مقالاً بعنوان «سرّاية الاستجوابات»، حيث تحدثت فيه عن الاستجوابات الثلاثة المقدمة لرئيس الوزراء ووزير الشؤون ووزير النفط، وأذكر جيداً بأنني توقعت بأن يكون استجواب وزير النفط هو الأخطر على الحكومة في حال استطاع النواب إثبات التجاوزات والهدر في المال العام، وإقناع الشارع السياسي بجديتهم، فقد كان ذلك الاستجواب هو الأدسم حينها بعشرة محاور، وأسماه البعض الاستجواب الملياري... ورغم نجاح النواب في تقديم طلب طرح الثقة في الوزير إلا أنهم لم يستثمروا ما قدموه في جلسة الاستجواب لكسب الرأي العام، إضافة للاستقطاب القبلي الذي برز في ذلك الاستجواب بشكل كبير وأدى في النهاية إلى عبور الوزير بسلام من جلسة طرح الثقة.    
ومثلما هو متوقع من حكومتنا، فقد عجزت عن حل تلك الملفات العالقة، فهي تتعامل مع الاستجوابات بنهج العمل من أجل البقاء فقط، أو تقطيع الوقت، لذلك رأيناها تعمل لاجتياز جلسة طرح الثقة فقط، فنجحت في ذلك، بينما لم تستطع التعامل مع ملف القضايا المدرجة في محاور ذلك الاستجواب، فقد نشرت إحدى الصحف المحلية مقتطفات مما جاء في تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الوزراء للنظر في محاور استجواب وزير النفط، منها الجزء المختص بموضوع مشروع الوقود البيئي الذي يعتبر من أكبر مشاريع تحديث المصافي وتطويرها وتحويلها إلى مجمع تكريري متكامل؛ وقد كشف التقرير بأن الادارة التنفيذية في شركة البترول الوطنية كانت على علم بتأخر المشروع منذ عام 2016، بل وازدياد فترة التأخير في عام 2017 دون أن يتم ابلاغ مجلس إدارة الشركة مما تسبب بتضليل المجتمع والاعلام ومجلس الأمة، كما قاموا بادعاء نسب مغلوطة حول انجاز المشروع بهدف أخذ مكافآتهم السنوية بشكل كامل!
ذلك التضليل من قبل أولئك المسؤولين تسبب بخسائر كبيرة تكبدها المال العام، تقدر بمليار دينار كويتي، ناهيك عن بقية التكاليف والالتزامات الأخرى، كما تطرق تقرير لجنة التحقيق لمشروع مصفاة فيتنام التي تسببت بخسائر كبيرة تقدر بمليار ونصف المليار دولار أميركي بسبب سوء الادارة والتأخير والتضليل... كل تلك الخسائر التي تكبدها المال العام -أي أموالنا وأموال أبنائنا- بسبب الفساد المستشري في قطاعات الدولة وسوء الادارة الحكومية يجب ألا يمر مرور الكرام، فإن كانت الحكومة جادة برؤيتها ومشاريعها التنموية عليها أولاً أن تثبت جديتها في مكافحة الفساد، لأن لا مصداقية لأي مشروع تنموي ما لم يكن هناك بيئة صحية خالية من الفساد، وهذا مفقود حالياً في الكويت، بل إن توصيات تلك اللجنة التي شكلتها الحكومة لا توحي بجدية التعامل بحزم مع ذلك الملف، فبدلاً من إحالة المتسببين بخسارة المليارات من المال العام إلى النيابة وتسليم القضاء ذلك الملف الخطير، نجد الحكومة توصي بالتحقيق الإداري مع الوزير والرئيس التنفيذي للشركة ومدير المشروع، ومراجعة نظام الحوافز، وغيرها من التوصيات التي تعني إطالة القضية حتى يطويها النسيان كغيرها من قضايا المال العام!


لذلك يجب التعامل بحزم مع ذلك الملف قانونياً وسياسياً، فإحالة المسؤولين عن تلك الخسائر للقضاء تعني التعامل القانوني فقط، بينما يجب أن يكون هناك محاسبة سياسية يتحمل مسؤوليتها الوزير المختص، فقد كان عذر الوزير وقت الاستجواب بأنه لم يمض على تسلمه للحقيبة الوزارية أكثر من ثلاثة شهور، وهو العذر الذي لا يملك استخدامه مرة أخرى، فكيف سيتم التعامل مع الوزير المسؤول «سياسياً» عن تلك الخسائر الفادحة؟
لقد تابعت في الفترة الأخيرة تصريحات النواب حول هذه القضية، وأعتقد بأن التصعيد السياسي مستحق في هذه القضية على وجه الخصوص، فقد باتت خسارة المليارات من المال العام أمراً نسمع به يومياً من دون أن نحرك ساكناً، وهذا الأمر يعطينا انطباعاً مرعباً حول ما آلت إليه الأوضاع في بلدنا، لذلك أتمنى ألا تمر هذه القضية مرور الكرام، وأن يتوجه النواب للشعب من خلال الندوات واللقاءات لتوعيتهم بهذه القضية وخطورتها، وكسب الرأي العام من أجل تفعيل دورهم الرقابي وحماية أموال الشعب من الاستنزاف الممنهج.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي