No Script

بوح صريح

ليس طابور قهوة

تصغير
تكبير

يتحدث البعض عن تجديد المعنى. خصوصاً في فترة الحظر، ونحن نعيد النظر في جدوى الحياة وتنمية المجتمعات والاستثمار في البشر لا العمران. والحفاظ على البيئة والثروات والحيوان.
ويتطرق البعض لمفهوم «اللامعنى»، إشارة إلى كل الفراغ الذي وجد الإنسان نفسه غارقاً فيه. بعد تطبيق الحظر. والابتعاد عن الناس والانقطاع عن العمل. وهجوم الوحشة والوحدة والعزلة. وطغيان الشعور بالكآبة واليأس أحياناً. وكأن كل شيء يفقد معناه.
هل لأننا كنا نستند على معانٍ هشة للإنجاز والنجاح. هل كنا نربط سعادتنا بفلان أو بكسب رضا وإعجاب فلان. عدد «لايكات» الإعجاب والتفضيل... وحين غاب هؤلاء. غابت معهم راحتنا وبهجتنا. لم نعد نطيق التواجد مع أنفسنا.


هل لأننا نخاف رفقة أنفسنا أو نخشى مواجهتها. فنلجأ لتصفح الموبايل. لذلك وجدنا كماً هائلاً من القنوات الجديدة على يوتيوب بلا معنى أو معرفة أو حتى فائدة تذكر. مجرد إنشاء قناة لتغذية الأنا وهيمنة الحديث والقول واستسهال فتح الكاميرا، والبدء بالحديث في أي موضوع عشوائي. وهنا نقول ليت للمفكرين والعلماء والأطباء وذوي الخبرة والتخصص درجة الشجاعة والحماس نفسها للحديث عبر قناة خاصة بهم. يفيدون بها الناس وينيرون لهم طريق الجهالة.
ونجد آخرين يتحدثون عن تفكيك المعاني السائدة المألوفة. بهدف إعادة التعمق في أصولها ومعانيها الأساسية والعثور على رابط ما بينها وبين التجربة الجديدة بكل تداعياتها. خصوصاً مع اختلاف البديهيات وظهور أبطال الرداء الأبيض والأزرق، الذين هم أفضل بكثير من الفنانين ونجوم الرياضة وغيرهم. ويستحقون التقدير والمكافآت والتصفيق والشهرة والتداول.
أيضاً تفكيك الصحة النفسية والعقلية والروحية والجسدية. وتفكيك مصداقية العلاقات وسبل متانتها. وماهية واقعية العلاقة من افتراضها في وسائل التواصل.
تفكيك جوهر الفرد وإعادة الثقة بمعنى الذات. ليس تلك التي في السوق والكافيه. ولا تجد إشباعها إلا من خلال الشراء حتى لو بالديون والأقساط. ألم يندفع الناس لشراء كوب قهوة، والوقوف في صفوف طويلة، كما شاهدنا أخيراً؟. لأن التاجر علمنا أن هذه هي السعادة. والإعلانات سوّقت لنا الإشباع عبر كوب القهوة وليس عبر معانٍ أساسية عميقة متينة راسخة.
لذلك تجدنا نتهافت على السوق. وحين أغلق السوق والمجمعات والصالونات والمطاعم والكافيهات... هجم علينا ذلك الفراغ المقيت الذي بات يعتصرنا ويصب المرارة في جوفنا. نشأنا على أن سعادتنا تكمن في الشراء. في فتح المحفظة ودفع المال. مقابل نشوة البهجة.
وهنا نأتي لمعنى السعادة السطحي. الهش. الضيق العابر. الذي يحتاج التجديد باستمرار. مثل ابتكار أصناف قهوة وخلطات ونكهات وبضائع مختلفة جديدة. ونحن نشتري حتى ما لا نحتاجه أو نريده أو نرغب به. فقط لأنه يسعدنا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي