No Script

خواطر صعلوك

عن أسوأ مهنة في التاريخ

تصغير
تكبير
عزيزي القارئ إذا كنت ستقرأ هذا المقال في الصباح فأنا آسف على كمية البشاعة التي ستبدأ بها نهارك، وإذا كنت ستقرأه في المساء فأنا آسف أيضاً على كمية القبح التي ستختم بها ليلك.

ولكننا يا صديقي نحتاج لهذه البشاعة مجسدة أحياناً، لكي نعرف أين نقف بالتحديد؟


يقول المؤرخ والسياسي والممثل الكوميدي توني روبنسون مؤلف كتاب «أسوأ المهن في التاريخ» انه في عصر الفروسية في أوروبا كانت هناك مهنة هي الأسوأ حسب اعتقاده وهي «حافد الفارس»، حيث إن لكل فارس مجموعة من الناس تخدمه أثناء القتال الذي ربما يستمر ثماني ساعات متواصلة، وكان من ضمن هؤلاء الناس من كانت مهمته التخلص من العرق والبول والبراز، (أعزكم الله) التي تجمعت في درع الفارس بعد نصف يوم قضاه وهو يحارب من أجل سيده.

إنها مهنة غريبة عزيزي القارئ ولكنها ليست أغرب من هذه المهنة التي يذكرها المؤلف أيضاً، وهي أنه كان هناك في الدولة الرومانية ما يسمى «المقيئة»، وهي ممر يحيط بالمدينة وكان يؤمن لسكان روما القدرة على التقيؤ خارج بيوتهم في غضون دقائق من أجل أن يعودوا ليستمتعوا بمزيد من الطعام، وليست هنا المشكلة ولكن المشكلة أنه كانت هناك وظيفة تسمى (جامع القيء)ولك أن تتخيل كيف كان يمارس عمله!

وأنا لا أوافق المؤلف في أن هذه المهنة هي أسوأ المهن في التاريخ، والسبب سيداتي آنساتي سادتي، هو أننا نمارس كشعوب عربية مهنة أكثر وضاعة منذ أكثر من مئة عام...منذ أكثر من مئة عام ونحن نمارس الغلط المؤكد، والذي يراه السياسيون الآخرون أنه الصح الممكن.

اننا يا سيد روبنسون نمارس مهنة «جامع الأشلاء»، حيث تم قتلنا في العراق وسورية وليبيا، وتم تمزيق أشلائنا في حرب الأيام الستة وفي صحراء سيناء، وتم تفجير رؤوسنا في غزة وحرق أجسادنا في بورما وقطع رؤوسنا في الجزائر تحت أسنة المقاصل الفرنسية، وتم قطع أصابعنا في الشيشان وقص ألسنتنا في الدول التي انفصلت عن روسيا، وتم هدم بيوتنا عام 2006 في لبنان... ومن السخيف أن أذكرك بفلسطين.

ولك أن تتخيل أيها المؤرخ العظيم كم من القيء والأشلاء تحملنا من استعمار بريطانيا وروسيا وأميركا وفرنسا وإيطاليا، وكيف أن هذه الدول باستمرار تخرج لنا ألسنتها وكأنها تقول لنا: نحن نتقيء عليكم!

نحن يا سيدي الأفندي الخواجة نختلف عن جامع القيء في كونه يجمع قيء أناس لا يعرفهم، ولكننا نحن نجمع أشلاء أحبابنا وأصدقائنا وأبنائنا.

صدقني يا مستر روبنسون إنها مهنة شاقة جداً أكثر من مهنة عمال المناجم أو صانعي الدبابيس أو صانع الكبريت في العصر الفكتوري.

وإذا كنت تعتقد أن أسوأ تشبيه يمكن أن تطلقه على شخص في كتابك هو انه مثل منصب المسؤول عن تنظيف الحمام المتنقل للبلاط الملكي في عهد هنري الثامن. فاعلم أننا كشعوب عربية ومسلمة قد تحملنا قيء جميع ملوككم ورؤسائكم وبوارجكم وطريقتكم في التقسيم الطائفي وعنجهيتكم في التعامل مع مقدساتنا، وتدخلاتكم في سياساتنا النفطية والإنتاجية والتنموية والتعليمية.

لا أحاول هنا أن أقدم مرثية حزينة، ولا أدعي أنني أكتب أشياء لا تعرفونها، ولكني أحاول تحذير من ألقى السمع أن هناك عيداً وثنياً كثيف الطقوس لا ينام على طاولة مذبحته الرخامية سوانا، لنتلقى الضربات الأشد إيلاماً كمهنة هي الأسوأ في التاريخ.

ولكننا حتى ونحن نجمع القيء والأشلاء فلن ننسى أن نغني... فقط من أجل قليل من الأمل، ومازلنا قادرين على التحمل.

فلا تنسَ عزيزي القارئ أن تغني...غني للقدس وغني لدمشق ولبغداد ولصنعاء وغني لوطنك الذي يتربص به الأوغاد... غني للمسلمين الذين ملوا البكاء، فلا شيء اليوم يعلو فوق صوت الأغنية. أما البندقية التي تطلق في الاتجاه الصحيح فليست معنا... فهي بنادق الجليل وحيفا والقدس... وبعض نواحي تل أبيب.

***

قصة قصيرة:

غنى عروبة الأمس... فلم يحضر له الجمهور.

كاتب كويتي

moh1alatwan@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي