No Script

تفشت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة وأخذت حيزا كبيرا من واقع حياتنا المعيشي

ظاهرة العنف في المدارس ... على من تقع المسؤولية ؟

u0644u0645u0627u0630u0627 u0648u0635u0644 u0627u0644u0639u0646u0641 u0628u064au0646 u0637u0644u0627u0628 u0627u0644u0645u062fu0627u0631u0633 u0625u0644u0649 u0647u0630u0627 u0627u0644u0645u0633u062au0648u0649u061f u0648u0623u064au0646 u062fu0648u0631 u0645u0624u0633u0633u0627u062a u0627u0644u062fu0648u0644u0629u061f u0648u0645u0646 u0627u0644u0645u062au0633u0628u0628 u0641u064a u0627u0633u062au0641u062du0627u0644 u0647u0630u0647 u0627u0644u0638u0627u0647u0631u0629u061f
لماذا وصل العنف بين طلاب المدارس إلى هذا المستوى؟ وأين دور مؤسسات الدولة؟ ومن المتسبب في استفحال هذه الظاهرة؟
تصغير
تكبير
• ظاهرة العنف شهدت تطوراً كبيراً ليس في الكم فقط بل في الأساليب التي يستخدمها الطلاب في سلوكهم العنيف

• السباق المادي المحموم الذي فرض على مجتمعاتنا أفقدها الكثير من عاداتها ومبادئها وهويتها

• تنامي الظاهرة قوبل بتجاهل كبير من المجتمع بشكل رافقه التهوين بنتائجها ومخرجاتها

• الدراسات أكدت أن العوامل النفسية تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظاهرة العنف في المدارس

• غياب سلطة الوالدين والمعلمين من العوامل الاجتماعية المفضية إلى العنف بين طلاب المدارس

• فقدان الاستقرار الأسري داخل أسرة الطالب يجعله مضطرباً ويدفعه لارتكاب المشاجرات مع أقرانه للتنفيس
لا يستطيع أحد أن ينكر أن المدرسة هي إحدى أهم آليات المجتمع لتحقيق أهدافه التربوية، التي يصبو إليها لبناء الأجيال للمستقبل، وتأمين النمو السليم لهم واعدادهم الاعداد الجيد للحصول على النجاح والانخراط في مؤسسات الدولة، ويتعدى الأمر الى أكثر من ذلك في كثير من الأحيان بحيث يتشكل من خلال التعليم ابرز ملامح المجتمع وتتحدد مكانته بين المجتمعات وكذلك نهضته التنموية والحضارية. لكن ما إن يبدأ العام الدراسي ... وكما جرت العادة في كل عام ... تسبقه الاستعدادات الخاصة به ... فتشمر الأسر عن ساعديها لتهيئة أبنائها لسنة دراسية جديدة تحمل آمالا وطموحات وأحلاما، سواء للطالب او لأسرته وفي موازاتها بعض القلق والخوف، او على الأقل الحذر من حدوث ما لا تحمد عقباه، لكن هذه المشاعر والتفاعلات تختلف من أسرة الى أسرة ومن طالب الى طالب، وعليه تختلف أيضا الاحتياطات والمحاذير والاستعدادات ... وفي هذا الخضم من التجاذبات تطل برأسها مشكلة المشاكل وصاحبة النصيب الاكبر من المد والجزر أثناء العام الدراسي لما لها من آثار سلبية كبيرة على كافة مفردات العملية التعليمية وأركانها، بل وتنسحب منها الى المجتمع ككل سواء من حيث الاسباب او النتائج، ألا وهي ظاهرة «العنف في المدارس» بجميع أشكالها ومستوياتها ... هذه الظاهرة التي تفشت بشكل مخيف خصوصا في السنوات الاخيرة، وأخذت في التطور بشكل ملحوظ ومخيف ... فقد أخذت حيزا كبيرا من واقع حياتنا المعيشي حتى أصبحت تقتحم مجال تفكيرنا وسمعنا وأبصارنا ليل نهار. لذا يمكن السؤال هنا: هل العنف المدرسي والمتمثل بـ (العنف من قبل المعلمين تجاه التلاميذ او من قبل التلاميذ تجاه المعلمين او من قبل التلاميذ تجاه بعضهم البعض) هو إحدى الوسائل ضمن الفلسفة التربوي التي من خلالها يمكن بناء الجيل الجديد؟ ان مفهوم العنف هو عكس مفهوم التربية وذلك لان التربية هي بناء الإنسان وتكوين ملامحه النفسية وكسبه الثقة بالنفس وتكوين مفهوم ايجابي تجاه الذات وتجاه الآخرين. اما العنف فمن تعاريفه كما عرف في النظريات المختلفة: هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، قد يكون الأذى جسمياً أو نفسيا. فالسخرية والاستهزاء من الفرد وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة للظاهرة نفسها. هذه الظاهرة لها أسباب أدت الى تفشيها بهذا الشكل، ولها خصائص تتصف بها، ولها علاقة بالدوافع النفسية عند الانسان، وهناك عوامل أسست لها، وهناك وسائل ساهمت في تطورها ووصولها الى هذا المستوى ... ولهذه الظاهرة أشكال مختلفة، وبالتالي لها آثار مترتبة عليها، ومن المؤكد لها حلول ومعالجات.

لكن لماذا وصل العنف بين طلاب المدارس الى هذا المستوى؟ وأين دور مؤسسات الدولة؟ ومن المتسبب في استفحال هذه الظاهرة؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ وماذا سيكون مستقبلها؟ في هذه العجالة نحاول الاجابة عن بعض هذه التساؤلات مع التركيز على موقف الاسلام من العنف وكيف وضع الحلول الناجعة لعلاجه والوقاية منه قبل وقوعه، مع الاشارة الى ان ظاهرة العنف في المدارس ظاهرة ذات طابع عالمي لا تقتصر على مجتمع دون الآخر، ولا تفرق بين غني وفقير او مجتمع زراعي وآخر صناعي، او دولة متقدمة وأخرى من دول العالم الثالث ... لأنها باختصار ظاهرة انسانية.

ليس ثمة شك في أن العنف ظاهرة إنسانية تخترق كل المجتمعات في القديم والحديث، في الشرق والغرب، وهذا ما يؤكد أن هناك أسبابا معينة تؤدي دورًا كبيرًا في انتشار ذلك العنف. ويتضح ذلك من شيوع ظاهرة العنف كسلوك في مختلف البيئات، سواء أكانت فقيرة أم غنية، زراعية أم صناعية، وهو ما يعني أن هناك غريزة ثابتة في البشر تتجه إلى العنف ما لم يتم تهذيبها.

والملاحظ ان ظاهرة العنف بشكل عام قد شهدت تطوراً كبيراً في الآونة الاخيرة ليس فقط في كمية أعمال العنف وانما في الأساليب التي يستخدمها الطلاب في تنفيذ السلوك العنيف.

وبناء على تعريف العنف، وملاحظة تطوره بين طلاب المدارس، فإنه ومن المؤكد من خلال استقراء الواقع ومتابعة الأحداث ان ظاهرة العنف في المدارس سواء في المجتمع الكويتي أو في المجتمعات العربية، موجودة منذ سنوات طويلة وأخذت أشكالاً ومراحل مختلفة، وتنامت وتطورت وقفزت قفزات واسعة لكنها قوبلت بتجاهل كبير من المجتمع بشكل عام سواء كان هذا التجاهل عن علم بالظاهرة رافقه التهوين بنتائجها ومخرجاتها، أو عن جهل بها وبأسبابها ودوافعها لانشغال المجتمع بالسباق المادي المحموم الذي فرض على مجتمعاتنا وأقحمت فيه حتى أفقدها الكثير من عاداتها ومبادئها وجزءا كبيرا من هويتها التي كانت الحصن الحصين لها في مواجهة اي سلوك خارج إطار القيم المجتمعية.

وبالرغم من اختلاف الأسباب التي تؤدي إلى انتشار العنف بين الطلبة، لا سيما في خلفية النشأة الأسرية لكل طالب على حدة؛ إلا أن هناك أسبابًا خاصة بعنف الطلبة؛ أي: ذلك العنف الذي يمكن رصد بعض مؤشراته المشتركة.

وباستقراء الكثير من الدراسات حول عنف الطلاب، كان ما يلي:

العوامل النفسية التي تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظاهرة العنف في المدارس، منها: الإحباط والفشل المتكرر، الرغبة في إثبات الذات، الرغبة في السيطرة والتملك، الرغبة في لفت الأنظار، الشعور بالملل، الاضطرابات النفسية.

أما العوامل الاجتماعية المفضية إلى العنف بين طلاب المدارس فيتمثل بعضها في: غياب سلطة الوالدين، أو المعلمين، أو مقاومتها، المشكلات المستمرة بين الوالدين، التفريق في المعاملة بين الأبناء (الكبار والصغار، الأولاد والبنات)، التدليل الزائد من قبل الأب أو الأم.

أما العوامل الثقافية فتندرج فيها مؤثرات كثيرة؛ ذلك أن نسق الثقافة والقيم يشغل مكانة محورية في بناء المجتمع؛ لأن المعايير المشتقة من تلك القيم هي التي تنظم التفاعل الاجتماعي. فمن العوامل المؤثرة ثقافيًّا في انتشار ظاهرة العنف: المدرسة؛ فهي التي تتحمل نقل ثقافة المجتمع، بالإضافة إلى الوسائل الأخرى التي تشكل وعي الطلاب وتنقل لهم القيم، ومن تلك الوسائل: عروض القنوات التلفزيونية لأفلام العنف والمسلسلات المحلية والأجنبية، التركيز على أخبار العنف في الصحف والراديو، انتشار وتداول قصص العنف بين الشباب.

وبالإضافة إلى هذه العوامل هناك أيضًا عوامل اقتصادية تؤدي إلى انتشار العنف كالفقر والبطالة وغيرها. بيد أن هناك عوامل تؤدي الحياة المدرسية معها دورًا في انتشار العنف بين طلاب المدارس، ومن هذه الأسباب: الفجوة في الأفكار والخبرة بين الطالب والمدرس، استخدام القوة وأشكال السيطرة الزائدة من خلال الإدارة المدرسية والمعلمين، سيطرة الخوف على علاقة التفاعل بين المعلم والطالب.

وانطلاقًا من دراسة العوامل المؤدية إلى العنف بصفة عامة تبدو الأسباب المؤدية للسلوك العدواني معقدة، ومختلفة مثل: النمو، والإدراك، والمتغيرات الشخصية والدافعية، والحالة النفسية، والبيئة.

بيد أن هناك مجموعة من الأسئلة لابد من طرحه لمعرفة أبعاد هذه الظاهرة، ومنها: لماذا وصل العنف بين طلاب المدارس الى الحد الاقصى من درجاته ومستوياته؟ وأين كانت مؤسسات الدولة وأين كان المجتمع حتى استفحلت هذه الظاهرة؟ ثم من المتسبب في وجود ظاهرة العنف بين طلاب المدارس الذين يفترض فيهم ان يكونوا على النقيض تماماً؟ وعلى من تقع المسؤولية في وجود مثل هذه الظواهر السلبية بين المراهقين والشباب؟ واذا كان هذا هو حال الناشئة فكيف سيكون المستقبل؟

لكن قبل محاولة الاجابة عن هذه التساؤلات وتحديد الاسباب والمسؤوليات وسبل العلاج، لابد من توضيح معنى العنف كما عرفته النظريات المختلفة بأنه: كل تصرف يؤدي الى إلحاق الاذى بالآخرين، وقد يكون الاذى جسمياً أو نفسياً، فالسخرية والاستهزاء من الفرد وفرض الآراء بالقوة واسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة للظاهرة نفسها.

أسباب ونتائج

من الطبيعي ان تكون هناك أسباب مؤدية إلى ظاهرة العنف بين الطلاب، وكما يراها الأكاديميون والمنظرون ومعدو الدراسات والابحاث ذات الصلة بهذا الموضوع، وعليه فإن البعض يرى أن اسباب تفشي ظاهرة العنف تتمثل في:

1 - عدم وجود وعي وفهم كافيين عند الطلاب لطبيعة وهدف المدرسة وعدم ادراكهم انها تجمع علمي هدفه العلم وبناء الذات.

2 - وجود خلل في الأساليب التربوية المتبعة في المدرسة والتي من شأنها تقوية الروابط بين الطلاب.

3 - سوء معاملة المدرسين للطلاب خاصة اتباع أسلوب التفريق بين الطلاب ما يمكن لنمو مشاعر الغيرة والكره بين الطلاب ويقود في النهاية الى الصدام المباشر.

4 - الاختلاف في وجهات النظر وفي الطبائع يمكن أن تولد شرارة للعنف.

5 - التنافس العلمي بين الطلاب أحياناً يولد مشاعر الغيرة وهي بدورها تدفع الطلاب للتصادم.

6 - عدم وجود استقرار أسري داخل أسر بعض الطلاب وكثرة المشاكل الأسرية تشحن نفس الطفل وتجعله عصبياً ومضطرباً ما يدفعه لارتكاب المشاجرات مع أقرانه للتنفيس عن الاحتقان الناتج عن توترات داخل الأسرة التي ينتمي إليها.

7 - البعض يتبع أسلوب العنف لإثبات نفسه وهذا أمر مرده الى وجود شعور بالنقص في نفس الطفل وهذا الشعور ينتج عن سوء التربية الأسرية للطالب.

وأصحاب هذه النظرية يرون أن العنف بين الطلاب وفقاً للأسباب السابقة ينتج عنها الآتي:

1 - تعرض الطلاب إلى إيذاء جسدي ومعنوي يؤثر بشكل مباشر عليهم.

2 - تعرض بعض الطلاب إلى تدهور في ثقتهم بأنفسهم، خصوصا ان كانوا هم الجانب الأضعف دوماً في الشجار.

3 - تراجع ملموس في المستوى التعليمي للطلاب الممارسين للعنف وتحول تركيزهم عن الدراسة إلى الشجار.

4 - تأثر الطلاب الآخرين بعنف بعض الطلاب ما يؤهلهم مستقبلاً ليتحولوا إلى طلاب عنيفين.

5 - العنف داخل المدرسة يمكن أن ينتقل إلى خارجها ويكون أشد خطورة (وهذا قد حدث بالفعل).

6 - الإساءة إلى هيئة المدارس وإلى رسالتها السامية.

ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه على أنه أمام هذه النتائج الوخيمة لابد من أن يكون هناك تحرك سريع ومدروس من قبل إدارة المدرسة بالتعاون مع الأهل لوضع حلول جذرية للمشكلة والقضاء عليها قبل استفحالها ووصولها إلى مرحلة لا تجدي معها أي معالجات لأنها ستكون القاصمة (كما حدث).

وقد وضعوا بعض الأمور المساعدة على حل مشكلة العنف بين الطلاب، ومنها:

1 - سرعة التحرك لاحتواء أي شجار ينشأ بين الطلاب وعدم إهمال الأمر كي لا يتفاقم.

2 - دراسة الحالة النفسية للطلاب العنيفين والمثيري الشغب من خلال اختصاصيين تربويين ونفسيين لمعرفة أسباب الشجار.

3 - التواصل مع أولياء الأمور والتعاون معهم لوضع أفضل الحلول لهذه المشكلة.

4 - تحسين الأساليب التربوية والتوعية للطلاب.

5 - الاهتمام بطريقة تعاطي المدرسين مع الطلاب والابتعاد عن الأساليب التي تؤدي إلى التفرقة والإهانة للبعض.

6 - تخصيص حصص تربوية وتأهيلية للطلاب في محاولة لتفريغ شحنات الغضب في نفوسهم.

7 - محاولة التعاون مع الأهل لحل المشكلة التي قد يعاني منها بعض الطلاب خارج المدرسة.

وأكد أصحاب هذا التوجه أنه قد لا نتمكن من منع العنف نهائياً ولكن من المؤكد اننا نستطيع الحد منه ووضعه في اطار نوعا ما مقبول.

جهات مسؤولة

سنحاول أن نوضح دور بعض الجهات ومسؤوليتها عن تفشي ظاهرة العنف في المدارس كما يراها جماعة من الأكاديميين والباحثين ... ومنها:

أولاً: المعلم ... من المؤكد أن بعض المعلمين يتحملون المسؤولية مباشرة في تفشي ظاهرة العنف بين الطلاب، وقبل أن يتهمنا البعض بالتجني على المعلم والقسوة عليه رغم ما يتحمله من مشاق في سبيل تأدية رسالته، نقول: عندما تهاون المعلم في علاقته مع الطلاب، ووصل الأمر ببعضهم إلى التعامل مع الطالب كصديق أو صاحب، وأصبح للمصالح الشخصية مجال بين المعلم والطالب، فتقلصت مساحة الاحترام، واختفت رهبة الطالب من معلمه ... عندما يصل الأمر في العلاقة بين الطالب والمعلم إلى هذا الحد من المؤكد أن تأثير المعلم في طلابه سينعدم ويفلت زمام أمرهم لأن الرقيب (المعلم) دوره يكاد يكون منعدما ... ولن يستطيع أن يكبح جماح الطالب المثير للشغب أو العنف.

ثانياً: المدرسة ... عندما تتهاون المدرسة في مسؤولياتها التربوية، ولا تتخذ مواقف رادعة وصارمة في مواجهة صاحب السلوك الشاذ عن المنظومة التربوية، وان عاقبت يكون العقاب غير مناسب للخطأ، والبعض أحياناً يقبل الوساطات ويعمل ألف حساب للموازنات ... وساعتها يشعر الطالب (الحدث) بالزهو والانتصار ... فيكرر الخطأ مرات ومرات وبأساليب ووسائل أشد لأنه أمن العقاب فأساء التصرف والسلوك والأدب.

وعندما يكون هذا هو حال المدرسة فلماذا نتساءل عن تفشي ظاهرة العنف المدرسي؟

ثالثاً: وزارة التربية ... لقد فقدت معظم وزارات التربية والتعليم في العالم العربي كثيرا من دورها التربوي وحتى التعليمي، وأصبحت مجرد جهاز إداري أكثر ما يشغله هو تنظيم التحاق الطلاب بالمدارس وتخرجهم فيها وتوفير المعلمين والأبنية التعليمية والكتب والمناهج التي عليها الكثير من علامات الاستفهام، ان وزارات التربية لم تقدم شيئاً ملموساً في مواجهة ظاهرة العنف في المدارس وبين الطلاب، هذه الظاهرة التي أطلت برأسها منذ سنوات وأخذت في النمو والتطور من دون أن تحاول القضاء عليها أو الحد فيها ... وعليه فإن وزارات التربية والتعليم تتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية عن تفشي العنف في المدارس.

رابعاً: الأهل ... إن دور الأسرة أو أهل الطالب هو الأهم والأبرز في تحوله إلى السلوك العنيف ... وهذا الدور يتخذ أشكالاً كثيرة، منها إهمال الطالب وعدم متابعته في المدرسة، ومعرفة أحواله العلمية والسلوكية، والأخطر من الاهمال هو محاولة الأهل الانتصار لابنهم حتى ولو كان مخطئاً، والسعي بكل السبل لعدم معاقبته مهما كان خطؤه، ومن يرد التأكد من ذلك فليسأل مخافر الشرطة عن كم معلما تم أخذه من المدرسة مخفورا في أيدي رجال الشرطة لأنه ضرب طالبا ...! وطبعاً هذا بمساعدة إدارة المدرسة التي تتقاعس في الدفاع عن المعلم لابعاد المشكلة عن دائرة اختصاصها، ولأن المعلم يكون دائماً هو الحلقة الأضعف في القضية ...! ثم يتساءلون بعد ذلك عن السبب في ممارسة الطلاب للعنف بالمدارس!

هؤلاء هم أصحاب النصيب الأكبر في مسؤولية انتشار العنف في المدارس. وهناك بالتأكيد مسؤوليات أخرى للإعلام والمجتمع بكل مؤسساته، فالجميع شركاء في المسؤولية ويلزمنا في مثل هذه القضايا ألا نتهرب ونلقي باللوم على الآخرين ويتوقف دورنا عند التنظير والتصريحات والبيانات لمجرد الظهور في الصورة وإيهام الناس بالمشاركة في وضع الحلول الناجعة لهذه الظاهرة أو غيرها ... اننا في حاجة إلى حلول مخلصة ليوفقنا الله في النتائج.

طابع عالمي

ظاهرة العنف في المدارس ظاهرة ذات طابع عالمي لا تقتصر على مجتمع دون الآخر، ولا ترتبط بغنى أو فقر، او قوة وضعف،او تقدم وتخلف، فهي تبقى في النهاية سلوكا إنسانيا له اسباب ودوافع أخرى تتشابه في الكثير من المجتمعات وقد تختلف في بعضها البعض لعوامل بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها، وهذه نماذج من بعض الدول:

أستراليا

قال وزير التربية والتعليم في كوينزلاند في يوليو 2009 ان مستويات العنف في المدارس المرتفعة «غير مقبولة على الإطلاق» واعترف بأنه لم تبذل جهود كافية لمكافحة العنف. وفي العام 2008، فُصل 55000 طالب في مدارس حكومية وكان قرابة الثلث منهم فصلوا بسبب «سوء السلوك الجسدي». أما في جنوب أستراليا، فقد سجل 175 اعتداء عنيفا على الطلاب أو الموظفين في عام 2008.

بلجيكا

أظهرت دراسة حديثة أن العنف الذي يتعرض له المعلمون في بلجيكا الفرنكوفونية كان من الأسباب الرئيسة لترك مهنة التدريس.

بلغاريا

بعد «تقارير عديدة خلال العقد الماضي عن العنف في المدارس»، وضع وزير التربية والتعليم البلغاري في عام 2009 قوانين أكثر صرامة لسلوك الطلاب، بما في ذلك ارتداء اللباس غير المناسب، والحضور في حالة سكر، وحمل الهواتف النقالة، وقرر إعطاء المعلمين صلاحيات جديدة لمعاقبة الطلاب المشاغبين.

فرنسا

ادعى وزير التربية والتعليم الفرنسي في عام 2000 أن 39 مدرسة حكومية من أصل 75000 كانت «تعاني من العنف بدرجة خطيرة» و300 مدرسة كانت «تعاني من العنف بعض الشيء».

بولندا

دفع انتحار فتاة تعرضت لتحرش جنسي في المدرسة في عام 2006، وزير التربية والتعليم البولندي رومان جيرتيتش، الى إطلاق خطة إصلاحية للمدارس «بلا تسامح». وبموجب هذه الخطة، فإن المعلمين يعدون قانونيا في منصب الخدمة المدنية، ما يجعل عقوبات جرائم العنف التي تقع عليهم أشد. ومدير المدرسة سيكون، من الناحية النظرية، قادرا على إرسال التلاميذ العدوانيين لأداء أعمال تتعلق بخدمة المجتمع، وقد يغرم آباء هؤلاء الطلاب أيضا. ويمكن أن يواجه المعلمون الذين لا يبلغون عن أعمال العنف في المدرسة عقوبة السجن.

الإسلام والوقاية من العنف

كلمة الإسلام مشتقة من كلمة «السلام» ويشكل السلام احدى الركائز الأساسية في حياة المسلم. وقد ذكرت كلمة «السلام» في القرآن أكثر من 14 مرة، ويؤكد الإسلام على نبذ العنف والقتل ويقول القرآن «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» (السورة 5 - الآية 32)، وقد بين النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه السلوك الصحيح للمسلم فقال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وقد أشار القرآن لهذا الموضوع في مراحل الوقاية الثلاث.

المرحلة الأولى

يبدأ اسلوب الإسلام في الوقاية من العنف قبل الميلاد حيث يوصي الزوج باختيار شريكة حياته من مجتمع جيد مسالم فيقول الحديث الشريف «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».

ويوصي الرسول صلوات الله عليه - الشباب الا يتزوج فتاة لجمالها فقط اذا كانت قد نشأت في بيئة سيئة لأن مثل هذه الفتاة تشبه زهرة نمت في بيئة فاسدة فيقول «اياكم وخضراء الدمن وهي المرأة الجميلة في منبت السوء» وهذه الوصايا لتجنب الجينات المريضة.

ويعطي الإسلام للأيام الأولى في الحياة أهمية خاصة ففيها تشكل شخصية الفرد ولهذا السبب يؤكد الإسلام على اهمية هذه الأيام ويحرص على نضج الأخلاقيات والسلوك الحميد وتنشيط الارادة.

ويؤكد الرسول صلوات الله عليه على التأكيد لتعليم الابناء مبادئ الصلاة قبل السابعة، وهذا يتطلب النظافة والوضوء وقراءة القرآن وتقليد سلوك الوالدين اثناء الصلاة والاستماع اليهم وهم يقرأون القرآن والاجابة عما يوجه اليهم من اسئلة اثناء هذه الفترة الحرجة من العمر.

وتؤدي هذه الخطوات إلى النضج السريع الصحي الخالي من العدوان والعنف والذي يتسم بالسلام والحب والطاعة وهذه الوقاية الأولية مسؤولية عدة اطراف، فالوالدان والأسرة يأتيان أولا يليها المدرسة والنادي والجيران والاصدقاء والزملاء ووسائل الإعلام والقادة أو الزعماء في كل منطقة. كما انها لها اهمية كبرى في أماكن العبادة كالمساجد.

المرحلة الثانية

قد ينشأ العنف في كثير من الاسباب المرضية سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو عضوية أو اقتصادية أو غير ذلك. والتشخيص المبكر مهم جداً لمعالجة هذه الأمراض المختلفة والتعامل معها. ولا بد للمجتمع ان يكون مستعداً لإقامة مراكز العلاج اللازم لمواجهة هذه الحالات واعطاء العلاج المبكر والمتابعة. ولا بد للطبيب النفسي والاخصائي النفسي والاخصائي الاجتماعي والمرشد الديني ان يعملوا كفريق واحد في هذه المراكز.

ويؤكد القرآن هذا الاتجاه حيث يقول «ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» السورة 3 الآية (104).

وإذا نجح المجتمع في تحقيق هذه الأهداف فان مشكلة العنف سوف تقل... ان العنف يولد العنف، ولا بد للجهات المعنية ان تعالج هذه الظاهرة في جميع المجالات. فلا بد من تحليل العنف ومعرفة دوافعه ومعالجتها حسب طبيعتها. ويقول القرآن «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».

المرحلة الثالثة

قد تستمر حالات العنف بسبب خطأ العلاج أو غير ذلك من الأمراض وهذه الحالات تحتاج التأهيل والعلاج في مراكز خاصة تستعمل احدث الاجهزة والاساليب التي من بينها الاسلوب الديني. ولا بد للمجتمع ان يسهل انشاء هذه المراكز وتبني سياستها الوقائية على الاسلوب الاجتماعي الديني.

ولا بد ان تبتعد هذه المراكز عن المفاهيم القديمة على اعتبار انها مراكز للعقوبة ويؤكد القرآن على هذه المبادئ فيقول: «ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا» والكثير من الحالات تستجيب للوقاية الثالثة ويعودون إلى المجتمع الذي يجب عليه ان يسهل حياتهم ويقبلهم كمواطنين عاديين وهذا يتطلب القيام بدور المتابعة لتجنب النكسة.

مجتمع متوازن

لقد وضع الإسلام حدودا معينة لا يجب تجاوزها كما ان هناك انواعاً خاصة من العقوبة تطبق على من يتجاوز هذه الحدود وذلك لتحقيق التوازن في المجتمع وللحيلولة دون احتمال الأخذ بالثأر. ولكن على الرغم من كل هذه الاحتياطات فإن الإسلام يشجع الناس على التسامح والعفو، وهذا الاتجاه يساعد على تقوية صلابة شخصية الفرد المسلم واستقرارها ويقول القرآن في هذا المعنى «فمن عفا واصلح فأجره على الله». ان الإسلام عندما يوفر قاعدة عريضة لمقاومة العنف فإنه يكون بذلك قد حفظ حقوق الأفراد واكد على التزاماتهم ويكون بذلك قد ساعد على إيجاد مجتمع متوازن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي