No Script

بعد وهم «تصفير» الخسائر واختلافات الرؤى والأرقام

لبنان يُعيد هيكلة «الفريق الواحد» للتفاوض مع صندوق النقد

تصغير
تكبير

لأن «الفرنجي برنجي» وفق المثَل اللبناني الشائع، شرعتْ المرجعياتُ اللبنانية في تلبية طلب صندوق النقد الدولي إعادة هيكلة البيانات المالية المتصلة بخطة التعافي التي قدّمتْها الحكومة إلى المؤسسة الدولية، بغية الحصول على برنامج تمويل ميسّر تطمح أن يصل الى 10 مليارات دولار موزّعة على دفعات لغاية 2024.
ويفترض أن تعكس التحركات المستجدة روحية «الفريق الواحد» في التفاوض غير السهل مع خبراء محترفين يتبعون لإدارة متمرّسة وخبيرة لدى الصندوق في إدارة التعامل مع ملفات الدول التي تطلب «المدد» المالي. وهذا ما يقتضي إعادة تنظيم صفوف المؤسسات الدستورية، وخصوصاً السلطة النقدية ومكوّناتها وإنعاش «خصوصيات» مهماتها القانونية والإجرائية، وفتْح قنوات نيابية وحكومية إيجابية للتنسيق مع الجهاز المصرفي، بعدما اتضح أن «الصراخَ» من أوديةٍ متباعدة لا يصل سوى «ضجيجُه» إلى مسامع المجتمع الدولي المنشود «عونُه» في مدّ البلاد بالعملات الصعبة.
وبدا من خلال إحياء خطوط التواصل بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم البنك المركزي رياض سلامة، أن جهوداً خلْفية وازنة بدأتْ تثمر في تصحيح وضعية «الحصان أمام العربة». وستُستكمل، وفق معلوماتٍ توافرت لـ«الراي»، بانفتاح حكومي على طروحات كل من المركزي والمصارف في شأن إعادة النظر بالخطة الحكومية التي لاقتْ اعتراضاتٍ واسعةً حتى من «بيت أبيها»، وخصوصاً لجهة الفجوة المالية وحجْمها وطرق احتسابها والخيارات المقترَحة لردْمها ولمعالجة الاختلالات المتّسعة في الميادين الاقتصادية والمعيشية.


وبالفعل، ترأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اجتماعاً مالياً في قصر بعبدا أمس الخميس، في حضور دياب ووزير المال غازي وزني وحاكم البنك المركزي، جرت خلاله مناقشة ما آلت إليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والأجواء التي تتم فيها، والشروحات التي يقدّمها الجانب اللبناني لفريق عمل الصندوق والخطوات الواجب اتخاذها للإسراع في عملية التفاوض.
والأهم جرى «البحث في الأرقام والمبالغ الواردة في التقارير الصادرة عن وزارة المال ومصرف لبنان والتي يتم الارتكاز عليها خلال المفاوضات الجارية بين فريق عمل وزارة المال والصندوق». وبعد التداول، واستناداً إلى جداول مقارنة، تم الاتفاق «على إلزامية توحيد الأرقام وفق مقاربة واحدة»، وسيُعقد اجتماع الإثنين المقبل لبتّ الأرقام «وذلك تسهيلاً للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي». علماً أن لجنة المال النيابية بدأت تحركاً موازياً وضمن الهدف عيْنه.
ويؤكد مصدر مُشارِك في هذه الورشة، أن الجهود ستفضي حكماً الى «لغة» رقمية موحّدة تذيب الفوارق أولاً، ثم تنتقل إلى إعادة النظر بالتوصيفات «العقلانية» للتمييز بين ما هي خسائر محقَّقة، وبين الموجبات الآجلة التي يمكن معالجتها بوسائل مختلفة وفق تطور الأداء المالي للدولة، وخصوصاً بعدما برز في الخلاصات الأولية تَعَذُّر السير بخيار الحكومة القائم على «تصفير» الديون على حساب ميزانيات البنك المركزي والمصارف، مع تَنَصُّلٍ كامل للدولة وتكبيد المودعين، الخاضعين راهناً لقيود مشدَّدة في إدارة مدخراتهم، خساراتٍ جسيمة قد تقود فئات كبيرة منهم إلى فقرٍ مدقع.
وظَهَرَ، بالتوازي، أن الفوارق في تقييم «الخسائر» وتوصيفها تحاكي التناقض المثير. إذ تصل حسابياً إلى ما بين 70 الى 90 مليار دولار وفق السعر الرسمي. وهو تقدير خاضع بالضرورة لسعر الصرف القائم أو الذي سيتم اعتماده بحصيلة المفاوضات وسلة «الشروط» التي يتوجب على الدولة التزامها. وتندرج المعادلة ذاتها على الفوارق والتوصيفات بين خطة الدولة وبين الدراسة الموسّعة التي قدّمتْها المصارف بمعاونة شركة استشارية دولية وقدّرت الفجوة بنحو 104 آلاف مليار ليرة.
كما تم التثبت من أن مِن غير المقبول محاسبياً إطلاق تسمية الخسارة على معالجة دين حكومي قائم، والتطلّع في الوقت عيْنه لديمومة الاستدانة تغطيةً لعجز الموازنة المُزْمِن، والذي أصابه وباء «كورونا» بمقتل إضافي.
ومن الواضح أن أسئلة خبراء الصندوق في جولات المفاوضات السابقة والتثبت من سعة اطلاعهم على الحيثيات اللبنانية، ساهم في «تصويب» التوجهات وعكسها على مضمون المفاوضات ذاتها وفي «إعادة الاعتبار» لخطيْ المثلث ليضم المركزي والمصارف إلى جانب الدولة. فهذه «الثلاثية» معنية بالتكافل والتضامن في المسؤوليات والمهمات، وفق المعايير التقليدية التي تعتمدها المؤسسات المالية الدولية. وبالتالي لا يحقّ لأي طرف التنصل من موجباته ولا استبعاد الشركاء لأسباب وخلفيات يغلب عليها الطابع الكيدي. وهو ما يعصى على إدارة الصندوق قبوله في مرحلة الإعداد التوصيف، فكيف سيقبل به في عقْد الاتفاق المنشود؟
وبالفعل، سارع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان للإعلان عن إنشاء لجنة «تَقَصي حقائق» تتمثّل فيها الكتل النيابية ومصرف لبنان وجمعية المصارف ووزارة المال للوصول إلى حقيقة الأرقام حول الخسائر المالية وتوزيع عادل للأعباء بعد تأكيده وجود تباينات كبيرة في تقدير الخسائر والأرقام بين الحكومة والمصارف والهيئات الاقتصادية، فيما يرتقب أن تحرّك جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب (الخميس) مساراً تشريعياً يلبّي جانباً من المطالبات الدولية، وخصوصاً من الصندوق والبنك الدوليين ومجموعة الدول المانحة في مؤتمر «سيدر»، في التزام لبنان برنامج الإصلاحات.
ومن المرجح، بحسب معلومات «الراي»، أن يستقرّ التوافق المستجدّ أو التنسيق بين الأطراف المعنية على اقتراحٍ سبق لرئيس لجنة الرقابة على المصارف (المنتهية ولايته القانونية) سمير حمود أن أبلغه «لمَن يعنيهم الأمر»، ويقضي بأن تقوم الدولة بجرْد موجوداتها المادية وغير المادية وبإعداد ميزانية عمومية سنوية مدقَّقة تُعرض على المجلس النيابي مع الموازنة لدرْس فاعلية إدارة الحكومة لموجوداتها مقارنةً مع موازنتها، مع اشتراط عدم قانونية بيع أي من الموجودات بل حصْر الإدارة باستثمارها من الغير أو من إدارات الدولة بعد إعداد جدوى اقتصادية ثابتة، وحبْس عائدات الموجودات لأجل الاستثمار وسداد الدين والفوائد.
فالحلّ باختصار، كما يرى حمود، يبدأ بمعالجة الدين العام وكلفته ومنْح مهلة سماح لسداد الموجبات، شرط القيام بما يلزم لتوازن المالية العامة. إذ إن الدين العام يعادل ويقابل بالودائع المحبوسة ولا عجلة في سدادها قبل توازن المالية العامة. كما أن الدين لن يثبت عند مستوياته الحالية البالغة نحو 92 مليار دولار، بل إن الدولة مستمرة في الاستدانة وهذا يُبقي جزءاً من أي حلٍّ مقترَح فاقداً للجدوى ما لم تبلغ الموازنة حدود التوازن الفعلي بين الإنفاق والإيرادات، وبعدها الانتقال إلى مرحلة الفائض الذي يكفل إيفاء مستحقات الدين العام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي