No Script

رواق

بيتي وبيقول بيتو!

تصغير
تكبير

بعد مضي نحو أسبوعين ودخولنا الأسبوع الثالث، ونحن قيد الإقامة الجبرية في بيوتنا بدأ كثيرون مراجعة مفهوم السكن حتى أن نسبة كبيرة لو سألتها ما أول شيء ستعمله بعد انقشاع غُمة «كورونا» لأجابتك: إجراء بعض الإصلاحات والتعديلات في البيت!
لنعترف أن بيوتنا، منذ زمن، لم تكن تهدف إلى البقاء فيها بقدر الخروج منها، هي صُمّمت لثلاثة أهداف رئيسية: النوم، التخزين، استقبال الضيوف، أما عن النوم، فالشعب سهران، ينام النهار كي لا يرى في الشمس ما يخفيه الظلام، مما صنعه بيده لنفسه من أخطاء بحجم خطيئة، متقمّصاً دور الضحية «نحن ضحايا أخطاء هندسية»، ولماذا لا نصححها؟ «ما لنا خُلق»!
أما التخزين، فهو لا يكفي شيئاً، وكل شيء يضيع في المخازن الكبرى اللانهائية في بيوتنا، أو هي بيوت «الكراكيب» التي نتركها داخل البيت لنعيش حياتنا خارجه، فحتى أثمن الأشياء التي قمنا بتخزينها حفاظاً عليها تضيع في المتاهات وإن عثرنا عليها بعد فوات الأوان، عندما أكل الدهر منها وشرب حتى شبع، سنجدها تلفت قبل أوانها، وقبل أن نستخدمها لأننا أغفلنا أن الحفاظ على الأشياء يكون باستخدامها، تماماً مثل الأشخاص لن تحافظ على من أهملت أو ابتعدت عنه فالبعيد عن العين بعيد عن القلب!


أما ثالث «الأثلاث»، فهو الاستقبال، استقبال من؟ ضيوف يأتون ولا يأتون! وغالباً ما صرنا نلتقي خارج بيوتنا وتبقى البيوت فارغة، حتى فرغت البيوت من محتواها الرئيسي السكن ومفهومها الأصلي:
«بيتنا» لا بيت الضيوف وفعلياً نحن الضيوف فيها في ضيافة «كراكيبنا»!
قد يكون أحد أهداف البيوت العزلة، لكن حتى هذا المفهوم حاله حال غيره فهم على نحو خاطئ كمرادف للانكشاف، كخط دفاع ضد المتلصص، وكأننا تحت مراقبة أجهزة استخبارات الدول الشمولية، فأغلقنا النوافذ وأحكمنا الإغلاق بالستائر و«الشترات»، كي لا يرى أحد بيوتنا التي صممناها لنريها الجميع، وكي لا يشاهدنا جميع الذين يشاهدوننا في المجمعات، لاغين مفاهيم الجيران وأبناء الحي وحتى أبناء البيت الواحد، لا مساحة داخلية تجمع هؤلاء ولا مساحة خارجية تجمع هؤلاء أيضاً، فانغلقنا حتى هربنا ثم تحول بقاؤنا في البيت إلى سجن انفرادي، خاطر كثيرون بصحتهم كي يهربوا منه حتى في زمن الوباء، سواء في وقت الحظر أو قبله أو بعده معتبرين مغادرة المنزل في حد ذاتها ضرورة قصوى!
لديك بيت؟ عظيم فهذه رفاهية لا يمتلكها كثيرون! لذا اسكن بيتك، بمعنى السكن والسكينة والسكنة، اصنع لك شيئاً يشبهك، تلجأ إليه، وحين تضطر إلى ملازمته، اجعله متنفسا لك، لا يخنقك، اصنع فيه ذكريات تحن إليها حين تغادره، لا تحن إلى مغادرته وأنت فيه، أما عن الطريقة: فاتبع خطوات مَن سبقك، اهتدِ بها، ولا تقلّدها، بل اهتم بنفسك، وأرى كثيرين بدأوا فعلاً بالاهتمام بأنفسهم من خلال الاهتمام بمحيطهم السكني والمهني والبشري، فهي حلقة مترابطة ببعضها... قد يكون واقعك حلم غيرك أما وإن تحوّل واقعك إلى حلم بالنسبة لك، فعليك ترتيب أحلامك فحتى للأحلام أولويات وبيوتنا أولى بالحلم لنجعلها بيت الأحلام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي