No Script

رؤية و رأي

حكومتنا و «البدون»

تصغير
تكبير

واقعة مأسوية جديدة بين إخواننا «البدون»، وشاهد آخر على التخبط الحكومي في ملفهم، وبرهان قاطع على منهجية التبرير السطحي لسياساتها الخاطئة؛ ألا وهي حادثة انتحار شاب من «البدون» وما سبقها وتبعها من قرارات وتصريحات حكومية.
عوضاً عن اتخاذ إجراءات تصحيحية لمنع استمرار الظروف التي تدفع «البدون» نحو الجريمة والانتحار، لجأت الحكومة إلى الإعلان عن أن الشاب الراحل كان قد أتهم مراراً بحيازة مواد مخدّرة وارتكاب جرائم سلب بالقوة، في محاولة منها لاستبعاد احتمال أن يكون سبب الانتحار هو القرارات الحكومية التعسفية، التي انتهت بطرده من وظيفته وتجميد حسابه البنكي وحسابات أسرته.
لو فرضنا جدلاً صحة تلك الاتهامات التي وجهت إلى الراحل، أليس من واجب الحكومة البحث في دوافع ارتكابه تلك الجرائم، وفي العلاقة بين انتحاره وبين تجميد حساباتهم البنكية وطرده من العمل؟
للأسف الحكومة لم تلتزم بخطتها الاستراتيجية المعلنة تجاه «البدون» وليس لديها برنامج زمني محدد لمعالجة أزمتهم، ولذلك تناقض نفسها في قراراتها وتقاريرها وتصريحاتها. فنجدها تفتخر بأنها قلّصت عدد «البدون» من 220 ألف قبل الغزو إلى 92 ألف اليوم.
وتوظف هذه المعلومة للاستدلال على وجود مندسين بين «البدون». وأنا وإن كنت أقر بوجود مندسين بين «البدون» وإلى يومنا هذا، إلا أنني في ذات الوقت متيقن من الكثير ممن «أظهروا» جنسياتهم بعد التحرير، هم في الواقع «بدون» اضطروا إلى اكتساب جنسية ما كوسيلة للهروب من التضييق الحكومي المتفاقم عليهم. ألم يكن من بينهم من أظهر جوازاً كندياً أو أوروبياً أو جوازاً من إحدى الجزر التي تبعد عنا آلاف الكيلومترات؟ أيعقل أن يترك مواطنو تلك الدول أوطانهم ليستوطنوا بين «البدون» في الكويت؟!
الشواهد على تخبط الحكومة كثيرة، وقد تكون أبرزها تهربها عن معالجة ملف «البدون» المشمولين في إحصاء 1965، وتعسفها في العديد من قراراتها وإجراءاتها المتعلقة «بالبدون» بشكل عام، رغم إدراكها أن استمرار سياستها الحالية قد تكون لها تبعات وخيمة بتكلفة تفوق كثيرا تكلفة توفير الحقوق الأساسية لهم وتجنيس المستحقين منهم. فالحكومة تعي أن الغرب اليوم أكثر إصراراً على تطبيق اتفاقية 1954 الأممية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، إلى جانب اتفاقية 1961 الأممية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية.
والحكومة تعلم جيداً أن ملف «البدون» تحت المجهر الغربي منذ سنوات طويلة، وتكفيني الإشارة هنا إلى سؤالين وجههما الوفد السويسري في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى الوفد الكويتي قبل 9 سنوات. تضمن السؤال الأول التصريح بأنه «يواجه عديمو الجنسية (البدون) في الكويت قيوداً في مجالات العمل والصحة والتعليم والزواج وإمكانية تكوين أسرة والحق في البقاء». وأما السؤال الثاني فقد تمت الإشارة فيه إلى أن المادة 70 من الدستور الكويتي تنص على أولوية المصادقة على القوانين الدولية.
الشاهد أن حكومتنا تعلم أنهم جادّون وموضوعيّون في متابعتهم لملف «البدون»، لذلك لا يجوز لها الاستمرار في تشويه صورتنا الانسانية لدى المجتمع الدولي، وهي التي تعلم كم الجهود المضنية التي بذلت في تشكيلها. فهي ليست مجرد صورة، بل عمق استراتيجي أثبت صلاحيته في تحرير الكويت... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي