قلة من يمكن أن يطلق عليه «مفكر»، لأن هذا الوصف يتطلب تجاوز ثلاث مراحل مهمة، أولها التجربة، فالمفكر يفترض أن يكون صاحب تجربة فكرية طويلة، ثم تأتي الثانية وهي القدرة على الإحساس بهويته وذاتيته الفكرية، وتتمثل الثالثة في القدرة على الابتكار سواء على صعيد الأفكار أو حتى على صعيد النظريات أو المفاهيم والمناهج.
المفكر في مرحلة بين المرحلتين (المثقف، والفيلسوف) وفي العالم العربي تختلط تلك المفاهيم والمفردات لأننا لا نزال لا نملك القدرة على تحديد من هو المثقف أو حتى من المفكر والفيلسوف، خصوصاً وأن الأول من المفاهيم الحديثة، فشخص مثل مالك بن نبي لا أعرف ما إذا كان فليسوفاً أم مفكراً؟! وكذلك لا أعرف وضع الدكتور محمد عابد الجابري، والدكتور محمد جابر الأنصاري، والدكتور محمد أركون؟!
أعرف أن الدكتور جعفر حاجي، مفكر، لكنه مفكر في زمن الرخاء أو الاسترخاء لا فرق، وهذا الزمن «شحيح» في الأفكار، ولو كان هذا الشخص في مجتمع غير مجتمعنا (الكويتي) لتمكن بعد هذه التجربة والجهد الطويل من تكريس ذاتيته وهويته الفكرية وقدرته على الابتكار، غير أن الحالة الاستهلاكية التي يعيشها مجتمعنا غير قادرة على منح الفرصة كاملة لأحد من أبنائها.