No Script

أصبوحة

عقول عابرة للزمن

تصغير
تكبير

في أحاديث ودردشات عدة مع أصدقاء وزملاء من الجيل نفسه، توصلنا إلى أننا من الأجيال المخضرمة، ليس فقط لأننا عشنا سنوات طوال نسبياً، بل أيضاً لأننا عشنا أزماناً شهدت تغيرات لا نبالغ إن قلنا إنها دراماتيكية.
وبالطبع من عاش في زمن قبل زماننا، عاش حياة أكثر في تنوعها وتغيراتها، فقد عشنا في بيوت ذات طابع عربي بأحواش أو أفنية، بعضها لتربية الماشية لمن لديه، وبعضها معزولة للطبخ وللمراحيض أجلكم الله، بلا أجهزة تلفاز أو هواتف أو تكييف، فنستعين في نومنا بأسطح المنازل تجنباً للحرارة في الصيف، ونسكن في أحياء ذات طرق وحواري رملية، وبعضنا كان يطبخ على السعف والعرفج والحطب وما تيسر، حين كانت الكهرباء غير متوافرة كما هي الآن، واستخداماتها الأكثر هي للإنارة وربما للمراوح الكهربائية القليلة.
عشنا في هذا الزمن واعتدنا عليه، وكان بالإمكان أن نستمر عليه، كما استمر أهلنا من قبلنا على حياة أقسى، لكن أجيالنا عاشت تقلبات وتغيرات غاية في التسارع، لأننا عايشنا تدفق النفط بكميات تجارية وفيرة، وتطوراً في النظام السياسي باتجاه الدولة المدنية المستقلة، صاحبها تطورات اجتماعية في تركيبة الأسرة والعلاقات، وانتشار التعليم النظامي المتطور والعالي، وتطورات في البنية التحتية.
لا نعرف كيف استوعبنا هذا التغير والتطور، الذي تميز بالسرعة الفائقة في كل شيء، فلم تتوقف عقولنا وإدراكنا ومهاراتنا عند زمان معين، بل واكبنا مع اختلاف الاستيعاب العقلي والمعرفي بيننا، جميع مراحل التطور دون تفويت مرحلة واحدة.
والتلفاز الذي كان يعرض بالأبيض والأسود لفترة محدودة في المساء، تحول سريعاً إلى محطات فضائية تطل على جميع دول العالم، والهاتف الأرضي الذي دخل على استحياء إلى واقعنا، تطور بشكل مذهل إلى اتصالات مرئية متنقلة، وتواصل مع أبعد وأقصى نقطة في العالم، وجهاز التكييف في إحدى غرف المنزل، تحول إلى تكييف مركزي لكل حجرات البيت، والقلم والورق الذي كان أداة الكتابة منذ قرون مضت، تحول إلى جهاز صغير نستطيع أن نكتب فيه كتباً وموسوعات.
في عمرنا مرت علينا أشياء لم تمر على خيالاتنا، وفي أقرب الاحتمالات كانت من الخيال العلمي، لكنها أصبحت واقعاً وكأنها من البديهيات المسلمة، وكأننا جيل عابر للأزمنة عندما نقارن بداية حياتنا، وهذه الحياة التي نعيشها الآن.
العبرة في العقول المفتوحة على احتمالات التغير، أما العقول الراضية بالقليل من المعرفة والوعي، فكأن الزمن توقف عند واقعها الثابت، ولم تقبل أو لم تستطع أن تسبح مع التيار، واستيعاب أن التقدم وتطور الواقع هو لا نهائي ومطلق.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي