No Script

التاريخ الإسلامي في ضوء المنهج القرآني

تصغير
تكبير
إن للتاريخ الإسلامي سجلا حافلا بالأحداث التي توالت منذ أن بزغ فجر الإسلام الى عصرنا هذا، ودراسة هذا التاريخ هي دراسة للإسلام من الناحية التطبيقية، وهي دراسة للذين أخلصوا للإسلام والذين أساؤوا إليه أو باسمه من داخله أو من خارجه وكشف لوسائلهم، ولا نعني بالتاريخ الاسلامي الجانب السياسي منه فقط، ولكن كل ما أنتجه الإسلام ووجه إليه المجتمع من وجوه الوظائف الحيوية والفكرية والعملية في داخل المجتمع أو مع غيره من المجتمعات في حالات السلم والحرب، يقول ابن خلدون في مقدمته: «اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياساتهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا»، وفي تاريخنا صفحات ناصعة مشرقة، فهو يحكي لنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الطيبة العطرة، وسيرة صحابته الكرام، ويحدثنا عن الدعوة في المرحلة المكية، ثم يحدثنا عن ميلاد الأمة الإسلامية، ويعطينا صورة رائعة عن حياة المسلمين في ذلك العهد، في إيمانهم وورعهم وتقواهم وعلمهم وبذلهم وجهادهم، ويعطينا صورة لفتوح الاسلام في الشرق والغرب، حيث انطلقت جيوش الاسلام تحمل شمس الهداية، وتضيء دروب التائهين، وتظهر لنا كيف تحولت الديار التي فتحها المسلمون إلى ديار اسلام بالتعاليم الإلهية التي سرت إلى القلوب والنفوس، فنفضت عنها غبار القرون، ونبذت الأساطير والأباطيل والمبادئ الضالة، ويعطينا هذا التاريخ صورة للمسلمين في مجتمعاتهم ولحكامهم في دولهم، وما جرى من أحداث عبر هذا التاريخ المجيد، ونحن لا ننكر أن في تاريخنا صفحات مظلمة فيها الفرقة والانقسام، وفيها الهزائم والظلم، وفيها الانحراف والضياع، لا ننكر هذا، ولا يجوز أن نطمس معالم هذا الجزء من التاريخ ونزيل آثاره، فالتاريخ يجب أن يكون سجلاً صادقاً، وقد علمنا القرآن أن نسلط الضوء على الحقائق حتى تنكشف وتظهر بما فيها من كمال ونقص، إن الاسلام يريدنا أن نفتح أبصارنا على الأحداث والوقائع ثم نستلهم منها الموعظة والعبرة ونفقهها وفق السنن الإلهية الربانية، فالأمم الضالة والحضارات التي قامت في الأرض على أسس فاسدة كانت سنة الله فيها أن تدمر وتباد، قال تعالى: «وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين، فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين» ( سورة الأنبياء آية 11-15 ) وقال تعالى: «فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد، أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» ( سورة الحج آية 45-46 )، لقد دمرت أمم وزالت حضارات، لأنها كانت تحمل في وجودها سبب زوالها، وتلك سنة الله عز وجل في خلقه، فالباطل لا يدوم، ذلك أن الله خلق السموات والأرض بالحق ومتى زاغ الناس عن الحق فليتوقعوا هلاكاً ودماراً، فالله سبحانه خلق الخلق لعبادته، وطالبهم بهذه العبودية على ألسنة رسله، وأنزل لهم التعاليم والكتب، فريق استجاب وأقام الحياة وفق هذا المنهج، وآخرون يعرضون ويصدون الصالحين، وتكون دعوة، ويكون صراعا، ويسقط كثير من الطرفين في الميدان، ثم تكون العاقبة للمتقين.

دكتوراه في الفقه المقارن وأصول الفقه
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي