No Script

الفيروس سيُفرز تأثيرات واضحة على العلاقات بين الدول سواء على مستوى التفاعل أو الصراع على قمة النظام الدولي

العالَم ما بعد «كورونا»... انحسار العولمة وبروز «الوطنية»

تصغير
تكبير

 كل دولة اتجهت  للاحتماء خلف حدودها وتعاملت معه محلياً خوفاً من انتشاره

 الأزمة ستؤدي إلى تغيير قيم جديدة حول العمل وتغيير المفاهيم الجامدة القائمة على الربح

 دول أوروبا تعاملت  مع الأزمة من باب  الحدود الوطنية  لا المصلحة الإقليمية

 الأزمة حملت تأثيرات سلبية على اقتصاديات دول الخليج يتطلّب منها التعامل مع تداعياتها

 سلوك بعض الدول بالسيطرة على شحنات الأدوات والمستلزمات الطبية يفسر من منطلق المصلحة الوطنية

 القوة الدولية بصورتيها الصلبة أو الناعمة تهاوت أمام الفيروس بسبب فشل الأنظمة الدولية أمام الرعاية الاجتماعية


شهد العالم على مدار الأشهر الماضية انتشار وباء كورونا على الصعيد العالمي، ذلك الوباء الذي بدأ من الصين ثم سرعان ما انتشر على الصعيد العالمي، وسط كثير من الأصوات حول ضرورة التباعد الاجتماعي، من أجل القدرة على التعامل مع هذا الوباء وفي هذه الأثناء شرعت العديد من الدول على اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية من أجل التعامل مع هذه الجائحة الجديدة دولياً.
وقد بدأت مشكلة انتشار وباء كورونا من الصين، وشرع أحد الأطباء إلى الاشارة إلى أننا أمام مرض جديد وغامض سوف يحمل تأثيرات سلبية للغاية في الصحة، ولكن الجميع كذب هذا الطبيب إلى أن توفي أثناء رحلة البحث عن الحقيقة ومعالجة المرضى، فأدركت الصين من خلال أعداد الوفيات على أنها أمام وباء قاتل، وتوجهت إلى العمل على معالجة الموقف عن طريق فرض حجر كامل على مدينة ووهان التي نشأ فيها المرض، كما قامت بقطع كل وسائل المواصلات منها وإليها، وبدأت في التركيز على منع العدوى بين المواطنين والتأكيد على أهمية التباعد الاجتماعي.
وما هي إلا أسابيع عدة حتى بدأت بعض الدول تسجل حالات الإصابة بهذا المرض الغامض، والذي لا يوجد علاج له حتى الآن، ومن الدول التي شهدت انتشار المرض على أراضيها إيطاليا والتي تعد الدولة الأوروبية الأولى التي بدأ المرض ينتشر فيها بشكل واضح، بصورة أشار البعض إلى أنها أعلى من الصين التي تعد مصدر الفيروس في الأساس، ثم انتقل الأمر إلى الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت الدولة الأولى على مستوى العالم في عدد الإصابات. وقد أدت جائحة كورونا إلى تراجع العديد من الدول خلف الحدود الوطنية الخاصة بها، وإلى بروز مقولة الدولة الوطنية في مواجهة ظاهرة العولمة التي كانت اللغة الأساسية في العلاقات الدولية.

الفيروس والصراع
إن العلاقات الدولية في زمن «كورونا» من الطبيعي أن يسيطر عليها التعاون من أجل مواجهة هذه الجائحة، إلا أنه على الرغم من ذلك كان الصراع أحد العناصر الأساسية التي ميزت مشهد العلاقات الدولية خلال هذه الفترة. فقد برز الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، حيث خرجت بعض الاتهامات من قبل الرئيس الأميركي للصين بأنها عملت على خلق هذا الفيروس في أحد المعامل في مدينة ووهان الصينية، وأن هذا الفيروس (الفيروس الصيني) يجب أن تتحمل الحكومة الصينية تبعاته، بل خرج العديد من الاتهامات للصين بأنها السبب في ما آلت إليه الأحداث على الصعيد العالمي وأنها السبب الأساسي في انتشار الفيروس في العالم كله، وذلك كونه خلق في معامل بشكل بيولوجي، وأنها تعمدت إخفاء حقيقة هذا المرض، ولم تعمل على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل الوقاية منه بشكل أساسي.
وأيضا هذا الموقف برز بحق أهمية المنظمات العالمية في السياسة الدولية، ودورها في تعزيز التعاون بين الدول وبعضها البعض، ولعل هذا ما جعل منظمة الصحة العالمية محل الاهتمام من المجتمع الدولي، واتجهت العديد من المؤسسات على التركيز على هذه المنظمة للحصول على الدعم والمشورة منها، وهذا ما يتفق مع المدرسة الليبرالية. ولكن في المقابل سعت بعض الدول إلى التهوين من أهمية هذه المنظمة مثل الولايات المتحدة الأميركية والتي شرعت في توجيه اتهامات للمنظمة، بسبب مساندة الصين على حساب المجتمع الدولي، وكان النتيجة الأساسية في هذا الشأن هو العمل على تجميد التمويل المخصص من الولايات المتحدة إلى المنظمة.
أما بالنسبة للقوة على الصعيد العالمي فقد تهاوت القوة الدولية، سواء الصلبة أو الناعمة أمام هذا الفيروس بسبب فشل الأنظمة الدولية ووقوفها مكتوفة الأيدي أمام مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وأما في ما يتعلق بالبعد المعرفي، فنجد أن الفاعلين السياسيين انطلقوا في علاقاتهم مع بعضهم من منطلق المصلحة، ولعل هذا ما يفسر سلوك بعض الدول بالسيطرة على شحنات الأدوات والمستلزمات الطبية، من أجل توفير الاستخدام للجانب المحلي، وارتفعت أصوات إيطاليا وإسبانيا في بداية الأزمة بالرغبة في الحصول على الدعم من الجانب الأوروبي، ولكن هذا الأمر لم يحدث حيث إن ألمانيا اعترضت على هذا الأمر واتجهت الدول الأوروبية في التعامل مع الأزمة من باب الحدود الوطنية، وليس من باب المصلحة الإقليمية.
إن كل الدول تعاملت مع الأزمة من منطق الأمن القومي وليس من منطق الأمن الجماعي، ولعل الاتحاد الأوروبي والذي يعد أفضل المؤسسات الإقليمية في التحالف والاندماج، تراجع بشكل واضح للغاية على الصعيد العام، وأصبحت الدول تركز على المحور المحلي وليس الإقليمي. في حين نجد أيضا تأثير «كورونا» على النزاعات المسلحة الإقليمية القائمة، حيث تعالت الصيحات من أجل العمل على تبني هدنة من أجل وقف إطلاق النار، وبالفعل أعلنت المملكة العربية السعودية التي تقود تحالف دعم الشرعية هدنة من أجل وقف إطلاق النار في اليمن، وبالفعل أعلنت الحكومة الشرعية الالتزام بالمبادرة، ولكن جاءت الهجمات التي قام بها الحوثيون لتضع هذه المبادرة على المحك.
لقد تعرّض العالم كله كما سبق الإشارة إليه لأزمة حادة تمثلت في انتشار وباء كورونا على الصعيد العالمي، وقيام دول العالم بتبني سياسات التباعد الاجتماعي على الصعيد العالمي، فضلا عن إغلاق الحدود الوطنية وتوقيف حركة الطيران، ما أدى إلى تقليل الاعتماد على النفط باعتباره أحد العناصر الأساسية في الصناعة العالمية، ولعل هذا الأمر حمل تأثيرات سلبية على اقتصاديات دول الخليج نتيجة تراجع أسعار النفط بشكل واضح.
إن هذه الأزمة تحمل العديد من التأثيرات السلبية على اقتصاديات دول الخليج بشكل واضح، حيث تراجعت أسعار النفط بصورة كبيرة وبالتالي تزايد التأثيرات السلبية للاقتصاديات القومية الخليجية، وعليه يتطلب من دول الخليج التعامل مع تداعيات هذا الفيروس.

العالَم ما بعد «كورونا»
العالم شهد على مدار السنوات الماضية بروز ظاهرة العولمة، تلك الظاهرة التي انتشرت على الصعيد العالمي خلال نهاية القرن العشرين، وكانت تقوم على أساس فكرة العمل على إزالة الحواجز بين الدول بشكل واضح، والعمل على تبني السياسات التي تعمل على تعزيز التعاون والتفاعل بشكل واضح على كل المستويات، وأن العالم كله في ظل هذه الظاهرة عبارة عن قرية كونية صغيرة.
وفي ضوء الاتهامات الموجهة إلى العولمة، بكونها السبب الأساسي في انتشار الفيروس على نطاق واسع، توجهت سياسات الدول المختلفة إلى حماية نفسها من الفيروس من إغلاق للطرق والحدود مع بعضها البعض، وهو ما يعد تهديدا لملامح العولمة التي سعت إلى نشرها للعالم على مدار العقود الماضية.
إن هذه الممارسات التي قامت بها الدول للقضاء على الفيروس، تعارض مبادئ العولمة، ولهذا فهل تمثل هذه الممارسات والسياسات الرامية للقضاء على الفيروس والتصدي له وحماية البشرية من الآثار السلبية للعولمة على الصعيد العالمي.
يمكن القول إن سياسات محاربة فيروس كورونا سوف تحمل تأثيرات سلبية على العولمة بشكل واضح، حيث إن هذا الفيروس سوف يكون هدية للقوميين والمعادين للهجرة، وذلك للتصدي بقوة إلى الهجرة على الصعيد العالمي، والعمل على تبني سياسات تعمل على التصدي لتنقل الأشخاص والبضائع، ولهذا فإن كل المؤشرات في الوقت الحالي تدل على أن العالم القادم سوف يكون عالما أقل على مستوى العولمة، ولعل عقب انحسار هذا الوباء على الصعيد العالمي سوف يخرج العديد من الباحثين والمنظرين الذين يسعون إلى العمل على نشر الأطروحات الخاصة بهم عن السلبيات التي لاحقت عصر العولمة.
والأكثر غرابة أن الذي سوف يناهض العولمة في مرحلة ما بعد فيروس كورونا هم أولئك الذين كانون يدعون إلى انتشار العولمة على الصعيد العالمي وأنها سوف تؤدي إلى تحقيق التوافق والتكامل على الصعيد السياسي والاقتصادي وسنجدهم هم الذين يطالبون في الوقت الحالي باتخاذ الإجراءات التي تعمل على التصدي للآثار السلبية للعولمة على العالم.
إن فيروس كورونا سلط الضوء بشكل واضح على الآثار السلبية للعولمة في كل دول العالم حيث كانت العولمة تقوم على فكرة التكامل والاعتماد المتبادل بين دول العالم، ولعل هذا الأمر في حالة غلق الحدود بين الدول يمكن أن يؤدي في مرحلة من المراحل إلى كارثة، حيث الدولة سوف تصبح غير قادرة على التواصل مع الخارج الذي يحمل تهديد لأمنها القومي، ولهذا شهدنا دولاً أوروبية في غاية التقدم والديموقراطية قامت بإغلاق الحدود مع بعضها البعض مثل إيطاليا وفرنسا في ضوء السياسات الرامية على مواجهة تفشي فيروس كورونا على الصعيد العالمي. بل ان الدول تسارعت في فرض حظر على السفر من قبل دول معينة، فالولايات المتحدة قامت بفرض الحظر على القادمين من الدول الأوروبية، تلك الدول التي كانت قد فرضت الحظر على القادمين من الصين.
كما أن الفيروس حمل معه تهديداً واضحاً للمهاجرين، حيث أبرز موجة الكراهية للمهاجرين من الدول المختلفة، فضلا عن العداء الضمني لبعض الدول فنجد أن الولايات المتحدة تصرّ على تسمية هذا الفيروس بالفيروس الصيني إشارة إلى أن الصين هي مصدره.
ولهذا، أعتقد أن فيروس كورونا سوف يحمل تأثيرات سلبية على العالم وعلى انتشار العولمة وبالتالي سوف تؤدي إلى تغيير العديد من المفاهيم الجديدة حول العمل وفي البنى التحتية والفوقية، وسوف تؤدي إلى تغيير مفاهيم العمل الجامدة القائمة على الربح فحسب على الصعيد العالمي.

«كورونا» والعلاقات الدولية
مع تفشي فيروس كورونا أعاد إلى الأذهان مرة أخرى عصور الأوبئة القديمة، مثل الوباء الذي ضرب مدينة مرسيليا في عام 1720 والذي أدى إلى وفاة نحو مائة ألف مواطن فرنسي، وبعد ذلك بحوالي قرن من الزمان حدث العديد من الأوبئة والأمراض الأخرى. ومن أشهر هذه الأوبئة وباء الكوليرا بمراحله المختلفة والتي امتدت على مدى 150 عاما، حيث انتشر في العديد من القارات وأودى بحياة الملايين من البشر.
وكذلك الانفلونزا الإسبانية التي انتشرت على الصعيد العالمي في عام 1918، ولعل هذا الوباء حمل العديد من التداعيات على العالم كله، حيث أدى إلى قتلى فاقوا قتلى الحرب العالمية الأولى، فضلاً عن العديد من التداعيات الاجتماعية الشديدة على العالم، حيث قدرت معدل الوفيات من جراء هذا الوباء آنذاك بحوالي من 2.5 إلى 5 في المئة من تعداد سكان العالم، فقد عانى نحو 20 في المئة من عدد السكان حول العالم من هذا الوباء، وانتشاره في العديد من دول العالم.
ويمكن القول إن العالم شهد العديد من الأوبئة على مدى البشرية. ولعل هذه الأوبئة حملت معها العديد من الخسائر الفادحة، سواء على صعيد الخسائر البشرية أو بسبب الخسائر الاقتصادية وتدهور الخدمات التي يتم تقديمها، فضلا عن تهديد الأمن القومي لدول العالم قاطبة، ولعل انتشار فيروس كورونا
(كوفيد - 19) نموذج لهذه الأوبئة، ولهذا انضم «كورونا» إلى قائمة الأوبئة القاتلة التي برزت عالميا وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية مثل الموت الأسود، الأنفلونزا، الإيبولا، الإيدز، وسارس.
وقد انطلقت كل دولة من رؤية أساسية وهي ضرورة العمل على التصدي للفيروس على الصعيد المحلي، والعمل على منع التنقل بين الدول نظراً لكون التنقل يؤدي إلى مزيد من الانتشار للفيروس عالميا، الأمر الذي يدل على هشاشة نظام التعاون الدولي بشكل واضح للغاية حيث إن الدولة اتجهت إلى الاحتماء خلف الحدود الوطنية خوفاً من انتشار الفيروس على نطاق واسع.
واتجهت العديد من الأنظمة إلى التراجع خلف حدودها الوطنية والعمل على تبني سياسات وطنية لمواجهة الفيروس، بل ان الاتحاد الأوروبي الذي يعد أحد أفضل الأنظمة الإقليمية على مستوى العالم شهدت دوله تراجعاً خلف الحدود الوطنية وشرعت كل الدول إلى العمل على حماية نفسها وعلى الرغم من مناشدات الرئيس الإيطالي بأن ما يحدث هو اختبار للاتحاد الأوروبي لما نشهد أي تنسيق على مستوى الاتحاد للتعامل مع الفيروس بل على العكس أصبحت كل دولة تتفاعل بمفردها وتسعى بشكل أساسي إلى العمل على حماية نفسها من مغبة هذا الفيروس الفتاك.
إن فيروس كورونا سوف يحمل تأثيرات واضحة على العلاقات بين الدول سواء على مستوى التفاعل بين الدول بشكل عام أو على مستوى الصراع على قمة النظام الدولي بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

* دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

الحلول السريعة أمام دول الخليج

• تبني سياسة عامة قائمة على مستوى المالية العامة للتعامل مع السياسات المالية والنقدية.
• العمل على مساعدة القطاعات الاقتصادية التي تضررت بشكل واضح من جراء هذه الأزمة.
• تبني سياسة مرنة قائمة على القدرة على التعامل مع الصدمات حسب حدة الصدمة.
• وجود استراتيجية جاهزة للتعامل مع حالات الطوارئ وذلك للتعامل مع آثار الركود والعمل على زيادة فعالية الإنفاق.
• إطلاق حزمة من المساعدات الاقتصادية التي تعمل على معالجة الآثار السلبية الناتجة عن الجائحة.
• تحفيز الاقتصاد القومي والعمل على توفير السيولة المفروضة لتعزيز السيولة الخاصة بالدول.
• تشجيع وتقديم محفزات اقتصادية للقطاع الخاص ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة للتعافي.
• مساعدة القطاع الخاص الذي يعد من أبرز القطاعات التي تضررت من جراء الجائحة.
• العمل على منع حدوث أي افلاس للشركات المختلفة بمساندتها لكونها جزءاً من النظام الاقتصادي للدولة.
• يجب مساندة الجهود الإقليمية والعالمية لاحتواء الأزمة وآثارها المستقبلية.
• الدول المنتجة للنفط في حاجة ماسة لتنسيق السياسات مع بعضها لمنع نزيف أسعار النفط والعمل على وضع خطة تعمل على عودة الأسعار إلى سابق عهدها.
• تبني خطة التنويع الاقتصادي لكون انخفاض أسعار النفط على هذه الصورة يحمل تأثيرات سلبية للغاية على الاقتصاد القومي.
• التنويع الاقتصادي السلاح الوحيد القادر على حماية الدول في وجه التقلبات في سوق الطاقة العالمي، وبالتالي يجب أن يكون النفط أحد مصادر الدخل القومي وليس المصدر الوحيد.
• تعزيز التعاون مع الدول المختلفة للحد من الآثار السلبية لهذه الجائحة والقدرة على تعزيز التعاون من أجل وضع الاستراتيجيات العالمية التي تعمل على الحد من هذه المشكلة.
• العمل على تفعيل خطة الطوارئ لتوفير السلع الأساسية والعمل على تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية (سنة وأكثر) وذلك لضمان الأمن الغذائي للمواطن الخليجي.

 

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي