No Script

إضاءات

فروغ فرخ زاد... وألق القصيدة

No Image
تصغير
تكبير

قراءتي في الأدب الإيراني متعددة... وتكاد تكون منتظمة، سواء على المستوى الشعري أو النثري، وكان لهذه القراءات الأثر الكبير في نفسي، ولقد لاحظت أن هذا الأدب فيه الكثير من التنوع الذي يأخذ الوجدان إلى حالات خاصة من التجلي والوقوف عند مفارقات إنسانية متعددة الجوانب والاتجاهات.
وأخص بهذه المساحة الشاعرة الإيرانية فروغ فرخ زاد... تلك الشاعرة التي تمكن من خلال موهبتها الشعرية أن تسلط الضوء على تحديات إنسانية غاية في الروعة، وبفضل الترجمة الدقيقة إلى العربية التي قام بها الأديب والمترجم موسى بيدج- خصوصا في ديوانها «أعزف قلبي في مزمار خشبي» الصادرة عن دار سعاد الصباح للنشر- تمكنت من فهم كل الصور الشعرية التي رسمتها كلمات زاد في أعمالها الشعرية، وهي صور تتسم بالقوة والجاذبية، وكأنها منحوتة بعناية على جسد القصيدة، تفاعلا مع الخيال، الذي تتسارع خطواته في حزمة من المشاعر الصادقة.
 في الزقاق تهب الريح
وغربان الانزواء المنفردة
تدور في حدائق النحول الهرمة
والسلالم
كم خفيضة قامتها
صورة حسية ذات عمق فلسفي واضح تصف فيها الشاعرة حالة إنسانية، تبدو فيها كلوحة تشكيلية فيها عناصر «الزقاق، هبوب ريح، انزواء، حدائق مقفرة، سلالم منخفضة»، إنها موهبة الوصف والرصد والرسم بالكلمات، تلك التي جعلتنا نشاهد أكثر مما نقرأ، فنحن نشاهد لوحة أو جدارية، تتفاعل عناصرها لتكون لنا صورة جلية للحالة النفسية التي تريد لنا الشاعرة أن نحس.
ثم نقرأ من قصيدة «الطير هالك»:
أخرج إلى الشرفة
وأمرر أناملي على بشرة الليل الممتدة
مصابيح المودة مظلمة.
كي نتمكن من رسم الصورة الشعرية، التي تلتصق بالذهن وتتفاعل معها المشاعر في سياقها الإنساني، الذي تجعل من الليل إنسانا له بشرة ممتدة بطول العمر، بينما المصابيح مظلمة.
وزاد... المولودة في طهران عام 1934، نشرت أول مجموعة شعرية لها وعمرها- وقتها- 18 عاما، تحت عنوان «الأسير»، وهو الديوان الذي نشره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في سلسلة ترجمات عالمية، وقام بترجمته الكاتب خليل حيدر، ومن ثم وبعد انفصالها عن زوجها فنان الكاريكاتير برويز شابور قامت بإصدار ديوانها الثاني «الجدار».
ولقد حرصت زاد على تعلم لغات أخرى غير الفارسية منها الإيطالية والألمانية، لتتمكن من تأكيد موهبتها الشعرية، خصوصا بعد نشرها مجموعتها الشعرية «تمرد»، وهي المجموعة التي تعكس ما تحصلت عليه الشاعرة من انطلاقة خلال رحلتها مع الحياة، وتجاربها مع السفر والاحتكاك بثقافات مختلفة.
واتجهت زاد إلى الفن من خلال إخراج وإعداد وتأليف أفلام قصيرة وثائقية، حصلت في بعضها على جوائز، وجاءت وفاتها إثر حادث سير وهي في طريقها إلى عملها في مؤسسة كلستان السينمائية، لتصدر بعد رحيلها مجموعتها الشعرية الأخيرة وعنوانها «لنؤمن بحلول موسم البرد»، وهي المجموعة التي لخصت فيها الشاعرة الكثير من الأحداث التي تخصها وتخص المحيط الخارجي، الذي عاشته، وتفاعلت معه في تفاصيله وهوامشه.
لقد عبرت زاد عن حلمها وتطلعاتها، وأسرارها، من خلال القصيدة، التي اجتمعت فيها مقومات شعرية قلما تتوفر في قصائد أخرى، وهي مقومات الرشاقة والسهولة، والفكرة الواضحة، والصور الشعرية المتناهية في الدقة.

*كاتب وأكاديمي كويتي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي