No Script

مَن هم الفائزون والخاسرون في الهجوم التركي؟ (1 من 3)

الأكراد... «كبش محرقة»

No Image
تصغير
تكبير

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامره ببدء انسحاب قواته وإنهاء احتلال شمال شرقي سورية فاتحاً المجال لسباقٍ بين القوات التركية والسورية على السيطرة على المنطقة الحدودية.
وأصبحت تركيا في عجلة من أمرها لتسيطر على منطقة آمِنة بعرْض 30 - 35 كيلومتراً على الحدود مع سورية والتي تخضع حالياً لسيطرة الانفصاليين الكرد. ويدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حجم الضغط الذي يتعرّض له ترامب لموافقته على العملية ما جعله غير محبوب بين فئة النخبة الأميركية.
وكان ترامب يسيطر في سورية على مساحة أكبر من سويسرا أنشأ فيها قواعد عسكرية ومطارات حربية احتفظ بها حتى بعد دحْر «داعش».
وقد وافق ترامب على سحْب قواته ما سمح لتركيا وللجيش السوري بالقفْز لملء الفراغ الأميركي. وهذا دفع روسيا لإحضار الأطراف كلها بسرعة إلى طاولة المفاوضات لتنظيم الوضع ومنْع الفوضى والمزيد من المواجهة.
أما أكبر الخاسرين فهم «وحدات حماية الشعب» (YPG) الجناح المسلّح لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري (PYD)، وهو الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» (PKK) الذي صنّفتْه أميركا كمنظمة إرهابية منذ 1997 وكذلك أوروبا عام 2002 وأيضاً تبعهما حلف «الناتو» وتركيا ودول أخرى.

أكراد بلاد الشام
يتواجد الأكراد في جنوب شرقي تركيا،و شمال شرقي سورية، وشمال العراق، وشمال غربي إيران وجنوب غربي أرمينيا، بعدد سكان يُقَدَّر بنحو 30 مليون نسمة ليكون هؤلاء أكبر أقلية دون دولة في العالم. ويعيش أكثر من نصف هؤلاء في تركيا، ولذلك فإن وصْف الهجوم التركي على الأكراد السوريين بـ «التطهير العرقي» غير دقيق.
وقد نسفت معاهدة لوزان للسلام مع جمهورية تركيا - بعد اندحار الامبراطورية العثمانية والموقّعة عام 1923 - حلم الأكراد بتحقيق دولتهم «كردستان» المستقلّة. وتَمَرّد الأكراد على طول العقود ابتداءً من تمرد الشيخ سعيد (1925)، وثورة آرارات (1930) بقيادة الأرمني زيلان بيك والعلويين الأكراد وبدعم من مصطفى برزاني الذي عبَر الحدود العراقية للانضمام للمتمرّدين، وثورة السيد رضا (1937 - 1938) التي قامت في ديرسم المعروفة اليوم باسم تينسلي وتخللتْها مجزرة ارتُكبت بناءً على أوامر من الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك واعترف الرئيس أردوغان علناً بأنها «مذبحة».
وفي العام 1974 شكل عبدالله أوجلان حركة بروليتارية ماوية باسم «حزب العمال الكردستاني» (PKK) وركّز على ضرب أهداف داخل تركيا. وقتل ما لا يقلّ عن 40 ألف شخص من دون أن يحقق حلم الدولة. وقد صنّفت أميركا الـ PKK كجماعة على لائحة الإرهاب وكذلك فعلت أوروبا وحلف الناتو ودول أخرى بما فيهم تركيا.
ومع بداية الحرب في سورية العام 2011، بقي الأكراد السوريون على الحياد وزوّدوا المدن والقرى السورية المحاصَرة التابعة لدمشق بالدعم اللوجستي سراً. إلا أن الأمور تغيّرت عندما هاجم «داعش» بلدة عين العرب العام 2014.
وعلى الرغم من رفْض تركيا لأكرادها أن يدعموا أكراد سورية إلا أنها سمحتْ لأكراد العراق البيشمركة بدخول المدينة عبوراً من تركيا لتوفير توجيه بالليزر للطائرات الأميركية للقضاء على «داعش» ومنْعه من احتلال عين العرب. وهذا ما حصل في يناير 2015.
وفي أكتوبر 2015 قام التحالف الذي تقوده أميركا بتدريب وتسليح «قوات سورية الديموقراطية» (SDF) تحت القيادة الكردية إلى جانب ميليشيات محلية عربية. وبدأت آمال الدولة الكردية تأخذ شكلاً ما، وسمّى الأكراد مناطقهم بـ «روج آفا» أي أحد الأجزاء الأربعة لدولة كردستان الكبرى.
وفي أغسطس 2016 دخلتْ تركيا مدينة جرابلس، وبعد عامين احتلت مدينة عفرين ما شقّ دولة «روج آفا» من الوسط وشرّد عشرات الآلاف من الأكراد.
وفضّل أكراد سورية تسليم عفرين إلى تركيا وليس للجيش السوري ليدافع عن المدينة، على الرغم من مفاوضات مكثفة بين الأكراد ودمشق برعاية روسيا. ورَفَضَ الأكراد تسليم المليارات التي جمعوها من استغلال الأراضي السورية، وكذلك رفضوا تسليم الإدارة الذاتية وأرادوا من الجيش السوري أن يكون حرس حدود. وخسِر الأكرادُ المعركةَ وكان هذا أول خطأ جسيم يرتكبونه.
وفي سبتمبر 2015 عندما اقتنعتْ روسيا بالتدخل في سورية، نسّقتْ مع أميركا لتجنّب الحوادث الجوية، واتُفق على إعطاء السيطرة الجوية على شرق نهر الفرات للأميركي وغرب الفرات للروسي.
وبعد هزيمة «داعش»، حاولت القوات السورية مدعومةً من حلفائها عبور النهر لأخذ مواقع لها في حقول النفط والغاز، فدمّرتْها القوات الأميركية الجوية وأوقعت أكثر من 200 قتيل. وقد اعتبرتْ أميركا أنها تملك شرق النهر التي أصبحت منطقة نفوذها وهي تمثل ثلث مساحة سورية وغنية بالزراعة وموارد الطاقة.
وحاول الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني إعلان دولة في العراق ففشل وقضى على الحلم الكردي بتوحيد كردستان العراق مع «روج آفا» السورية.
ومع وصول ترامب إلى السلطة، وَعَدَ بإخراج القوات الأميركية واصفاً سورية بأنها أرض «موت ورمال». وقال إن الأكراد لا يقاتلون إلا إذا ذهبتْ معهم عشرات الطائرات لفتْح الطريق أمامهم، مقلّلاً من دورهم في هزيمة «داعش».
لم يفكّر الكرد يوماً أن أميركا ستخونهم على الرغم من تجربة مماثلة العام 1975. لقد حاولتْ القيادة الكردية العسكرية فتْح حوار جدي مع دمشق ولكن السياسيين الكرد رفضوا إكمال المفاوضات في أوائل هذه السنة مفضّلين الدعم الإعلامي الكبير لهم، واعتمدوا على المجتمع الدولي لحمايتهم. واعتقدوا أن ذلك كافٍ لوقف الهجوم التركي عليهم الأسبوع الماضي.
وينظر ترامب إلى الأكراد كمرتزقة دَفَعَ لهم الأموال والسلاح ليقاتلوا. وبما أن خدماتهم لم تعد مطلوبة، يسحب قواته لأن تركيا أهمّ منهم ولأنهم أصبحوا عبئاً عليه فلم يعد بحاجة اليهم.
لقد عمل الأكراد كدروع بشرية لجنود ترامب في الحسكة والقامشلي وشمال سورية. واعتقدوا خطأً أن حملةً على مواقع التواصل الاجتماعي من شأنها أن تُثْني ترامب عن قراره بالانسحاب، فلم تحْمِهم علاقاتهم ولم تحْمِهم الجبال التي ارتبطت باسم الأكراد كملجأ لهم.
لقد أصبح الأكراد أكبر الخاسرين اليوم ونزل قرار انسحاب ترامب مثل الماء البارد، فلجأوا إلى دمشق وروسيا في اللحظات الأخيرة لوقف التقدم التركي. لقد حان وقت استيقاظهم من السبات العميق. ولكن هل هذا يعني تغييراً جذرياً بإستراتجيتهم وعقيدتهم في المستقبل البعيد؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي