No Script

نستالجيا / عن الحنين إلى الماضي... الأمكنة والأزمنة... الأحداث والوجوه

فيرماني... «التدريب في الأسْر»

تصغير
تكبير

 «مدرّب بيليه وبكنباور»  قاد الطلبة العراقي  خلال اعتقاله في بغداد أيام غزو العام 1990

«نيويورك تايمز» تحدثت عن «توقيت مؤسف» أوجده في الكويت وتسبب في القبض عليه

الأقدار قادته من الولايات المتحدة إلى الكويت قبل الاجتياح بساعات

كتبت «شيكاغو تريبيون»: «استخدم إيدي فيرماني لعبة كرة قدم مألوفة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة من تجربته المؤلمة كرهينة في العراق»

سأله حسين سعيد إن كان يرغب في مساعدة فريق الطلبة فأجاب: «بالتأكيد... لتمضية الوقت... سأكون مسروراً»

قاد كاظمة إلى تحقيق باكورة ألقابه في  الدوري ... وبطولة أندية الخليج

في نوفمبر 1990، تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر إطلاق النظام العراقي لعدد من الأسرى الأجانب الذين كان احتجزهم في بغداد لأكثر من ثلاثة أشهر بعد اجتياحه الكويت.
بلغ عدد الذين أخلي سبيلهم 175 محتجزاً، معظمهم من الإيطاليين، ومن بينهم مدرب كرة القدم الشهير إيدي فيرماني الذي تم أسره خلال وجوده في الكويت.
وفي عدد 12 نوفمبر 1990، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: «وصل فيرماني وخمسة مواطنين إيطاليين آخرين إلى أثينا الليلة الماضية عبر الأردن، وفي مقابلة عبر الهاتف من أثينا، قال فرماني البالغ (وقتها) من العمر 56 عاماً إن مزاج الرهائن في كل من الكويت وبغداد كان قاتماً».
وذكر فيرماني من غرفته في الفندق في أثينا: «الناس يدمَّرون عقلياً ومعنوياً تماماً بسبب التغيرات من ساعة إلى أخرى، في دقيقة واحدة تبدو الحرب، وفي اللحظة التالية تبدو الأمور جيدة».
تابع: «لا نريد التحدث بشكل سيئ عن الأمر لأننا قلقون جداً بشأن الأشخاص الذين تُركوا وراءنا».
وكشف فيرماني أنه كان يخشى على حياته، لكنه أضاف: «كنت دائماً خائفاً من حدوث شيء سيئ وقد حدث. كان يوم الجمعة الماضي واحداً من أسوأ أيام حياتنا. لم أكن أريد أن أقول ما حدث، لكنه كان مؤلماً لما مر به بعض الناس».
واستغرق فيرماني بعض الوقت للإجابة عن سؤال عما إذا رأى شخصاً يُقتل أثناء أسره، وقال: «نعم، لقد فعلت»، وأضاف: «كان مشهداً مروعاً، نعم، رأيت أشخاصاً يطلقون النار. كان منزلي على بعد نصف كيلومتر من القصر (دسمان مقر إقامة أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح)، كان بإمكاني رؤية كل شيء من نافذتي».
وأكدت الصحيفة أنه «لم يكن لفيرماني أن يلقى القبض عليه في الكويت لولا التوقيت المؤسف».
وأوضحت: «كان في نيوجيرسي (الولايات المتحدة)، خلال الصيف، وقضى بعض الوقت مع زوجته ولعب الغولف. لم يكن من المفترض أن يغادر إلى الكويت حتى 4 أغسطس، لكنه قرر الذهاب قبل يومين حيث وصل قبل ساعات من الغزو».
وقال فيرماني مازحا: «يجب أن أمارس الغولف مرتين أخريين».
وكشف أنه و28 من الأسرى الآخرين نُقلوا من الكويت إلى بغداد في 13 سبتمبر 1990: «فقدت منزلي وسيارتي، لكن سُمح لي بالتجول، لم يلمسوا الإيطاليين كثيراً. كانت اللغة الإنكليزية تساعدني في الحصول على بعض الإمدادات وتفادي حواجز الطرق الخاصة بهم».
ويرجع فيرماني الفضل، في إطلاق سراحه، إلى مستشار ألمانيا الغربية السابق ويلي براندت: «جاءت بعض مجموعات السلام من إيطاليا، لكن ويلي براندت كان الشخص الأكثر نفوذا في إطلاق سراح الأشخاص وتمكن من إطلاق حوالي 175 رهينة».
وثمّة حدث لافت ربما لم يتكرر في تاريخ كرة القدم، وشهدته فترة الأسر التي قضاها فيرماني في بغداد.
فقد جرى تكليفه بقيادة «الطلبة»، أحد أكبر الأندية العراقية. لكن كيف حصل ذلك؟
كتبت صحيفة «شيكاغو تريبيون»، في 13 نوفمبر 1990، تقريراً تحت عنوان «مدرب كرة قدم من بغداد»: «استخدم إيدي فيرماني، المدرب السابق لفريق نيويورك كوزموس، لعبة كرة قدم مألوفة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة من تجربته المؤلمة كرهينة في العراق».
ونقلت عن المدرب قوله إنه أمضى أيامه في بغداد في تدريب أفضل فريق في العراق: «كان التدريب عبارة عن ملء أوقات الفراغ لبضع ساعات. شكل فرصة لي للابتعاد عن الفندق والاستماع إلى الأخبار. كان أمراً جيداً جداً بالنسبة لي».
في بغداد، تواصل فيرماني مع صديق كرة القدم القديم، حسين سعيد (نجم الطلبة والمنتخب العراقي)، وقال: «سألني إن كنت أرغب في مساعدة فريقه، فقلت: بالتأكيد، لتمضية الوقت، سأكون مسروراً».
بعد خسارة الفريق في الجولة الثانية من بطولة الدوري، تم طرد المدرب الرئيسي جمال علي، وطُلب من فيرماني تولي المهمة.
وقال إنه قاد الطلبة إلى تحقيق انتصارات بخمسة أهداف نظيفة وثلاثة أهداف نظيفة، ثم في أواخر الأسبوع، علم بأنه كان ضمن مجموعة من الإيطاليين الذين «تركهم» الرئيس العراقي.
لكن ما قصة وجوده في الكويت وقت الغزو؟
في أواخر يوليو 1990، حضر فيرماني إلى الكويت لخوض ثالث تجاربه التدريبية فيها، بعدما كان غادرها في نوفمبر من العام السابق إثر إقالته من تدريب العربي.
كان على موعد مع توقيع عقد قيادة فريق آخر كبير هو «الكويت».
قضى الأيام السابقة للغزو مع المدرب الوطني والنجم الدولي السابق محمد شعيب الذي اختير ليعمل مساعداً له.
معلوم أن زيارته الأولى الى البلاد تعود إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي وكانت مقدِّمة لدخوله تاريخ الكرة الكويتية من بابه الواسع.
ففي صيف 1985، تعاقد معه كاظمة الذي كان يمتلك نخبة من اللاعبين الدوليين (6 منهم كانوا ضمن تشكيلة المنتخب في مونديال إسبانيا 1982)، لكن انجازات الفريق لم تكن متوازية مع عدد النجوم فيه، فلم يحقق، قبل وصول المدرب الإيطالي، إلا لقبين في كأس سمو الأمير في 1982و1984.
كان الهدف واضحاً على المائدة التي جمعت المدرب بإدارة «البرتقالي»: الفوز بلقب الدوري للمرة الأولى.
وفي ربيع العام التالي، كان مشجعو كاظمة يحتفلون بدرع الدوري قبل جولتين من النهاية.
في الموسم نفسه، بلغ «البرتقالي» بقيادة فيرماني نفسه المباراة النهائية لكأس الأمير قبل أن يخسر من مفاجأة البطولة، الفحيحيل، بثلاثية في ظل غياب نجم الفريق ناصر الغانم.
في الموسم التالي، واصل كاظمة توهجه بقيادة المدرب الخبير ونجح في تحويل البداية المتعثرة الى نهاية سعيدة متغلباً على منافسة شرسة من العربي و«الكويت».
هذه المرة كان للغانم التأثير الأكبر في التتويج الثاني بعدما حقق لقب هداف البطولة رغم أنه لاعب وسط، معوّضاً غياب القائد والهداف يوسف سويد.
في أبريل 1987، أهدى كاظمة الكرة الكويتية لقبها الخارجي الثاني على صعيد الأندية بتتويجه، على أرضه، بكأس مجلس التعاون الخليجي على حساب منافسين أقوياء في مقدمهم الهلال السعودي حامل اللقب.
لم تتواصل نجاحات المدرب مع «البرتقالي» في الموسم الثالث، فقد تنازل عن لقب الدوري بحلوله ثالثاً خلف العربي البطل و«الكويت»، وخسر نهائي كأس الأمير أمام «الأبيض».
انتهت علاقة فيرماني بكاظمة في الصيف، لكنه عاد إلى البلاد سريعاً بعد موسم واحد كمدرب للعربي الذي دخل الموسم 1989-1990 مدافعاً عن لقب الدوري الذي توج به في الموسمين السابقين.
لم تكن التجربة جيدة، فاتخذت إدارة «الأخضر» قراراً بإقالته وتكليف مساعده، اللاعب الدولي السابق محمد كرم، بعد الخسارة أمام اليرموك ضمن الجولة الخامسة للدوري بهدفين دون مقابل، في نوفمبر 1989.
بعد إطلاق سراحه، ركن فيرماني إلى راحة قصيرة قبل أن يعود إلى المنطقة العربية لكن من بوابة سلطنة عمان مدرباً لفريق صور لمدة موسمين حصل معه على المركز الثاني في الدوري وعلى كأس السلطان، ثم عاد إلى أميركا الشمالية مدرباً لنادي امباكت الكندي، ومنه إلى «كلبا» الاماراتي.
في العام 1996، بات أول مدرب لفريق نيويورك ميترو ستارز الاميركي حديث التأسيس لكنه غادره بعد 8 مباريات فقط، تاركاً مكانه للبرتغالي المعروف كارلوس كيروش، ليعود مجدداً إلى عمان ويقود «السيب» للتتويج بالكأس مرتين في 1996 و1997.
خاض فيرماني تجربة أخرى مع تشارلتون الإنكليزي لمدة 4 مواسم قبل أن يعود إلى السلطنة للمرة الثالثة في سن الـ69 عاماً مدرباً لأهلي سداب في 2004 من دون أن يصيب نجاحاً.
وفي 2006، تقاعد المدرب الكبير واستقر في الولايات المتحدة الأميركية.

تدريب بيليه
يحمل فيرماني، وهو مواطن من جنوب أفريقيا، الجنسية الإيطالية منذ أيامه كلاعب في إيطاليا، إلا أن شهرته ذاعت أكثر في سبعينات القرن الماضي مع قيادته لنادي نيويورك كوزموس الأميركي الذي حقق معه لقب الدوري الأميركي الشمالي في 1975 و1976 مع الأسطورتين، البرازيلي بيليه والألماني فرانتس بكنباور، والإيطالي جورجيو شنغاليا وقائد منتخب البرازيل المتوج بكأس العالم 1970 كارلوس البرتو توريس. ويقول عن تلك الحقبة: «كان لدينا النجوم، بيليه، بكنباور، شناغليا، كارلوس ألبرتو، دينيس تويرت، ستيفي هانت، فيرنر روث الذي كان قائد المنتخب الأميركي. كان أي مدرب في العالم ليشعر بالفخر لتدريب هذا الفريق».
وحول قيادة بيليه بالذات يقول: «كان من السهل تدريب بيليه. كان أعظم لاعب على الإطلاق، لم يقترب منه (الأرجنتيني دييغو) مارادونا».

ويضيف: «عندما تتحدث عن اللاعب الأفضل في العالم، فمن المستحسن أن يكون لديك أفضل سلوك وأفضل شخصية، وهو ما كان عليه بيليه. لعبت ضده مرة واحدة في مباراة ودية بين إنتر ميلان وسانتوس. وبعد 20 عاماً كنت أدربه، لم يئن ولم يناقش عندما طلبت منه القيام بأمور روتينية في التدريب. حصل على الملايين ليأتي إلى كوزموس لكنه كان يستحق كل دولار منها».
وهل اصطدمت به يوماً، يجيب فيرماني: «وقع حادث واحد فقط، لم يحضر التدريب يوما، قلت: لمَ لم تحضر؟ فرد: كان لدي موعد مع محامٍ».
وتابع: «قلت: أين نتدرب؟ قال: استاد العمالقة. متى نتدرب؟ قال: الساعة التاسعة. هل نتدرب كل يوم؟ أجاب: نعم. إذاً ما الذي يمنحك الإذن بالبقاء بعيداً؟ يجب أن تكون مثالاً أي أفضل من أي شخص آخر، لأنك أفضل لاعب في العالم».
وواصل: «في صباح اليوم التالي، كنا نتدرب كالمعتاد، وقمت بمخاطبة اللاعبين كافة، وإعطائهم التعليمات، ثم أشرت إلى بيليه وقلت: أريد أن أراك في مكتبي»، وتابع: «أردت أن يعرف اللاعبون الآخرون أنه لم يتلقَ معاملة تفضيلية، ولهذا السبب أخرجته بهذه الطريقة. وبالفعل حضر وأجرينا مناقشة. أوضحت له أن من حق الآخرين الاستفادة منه. قال: آسف، لن يحدث الأمر مرة أخرى. أخبرته يأن يتأكد من أنه لن يتم تغريمه».

... اللاعب


بدأ فيرماني الذي كان يشغل مركز المهاجم، مسيرته الاحترافية في سن الـ17 مع نادي تشارلتون أثلتيك الانكليزي، الذي كان يضم لاعبين آخرين من جنوب أفريقيا، وذلك في العام 1950، وأصبح هداف الفريق الأول وصاحب خماسية تاريخية أسهمت في الفوز على استون فيلا 6-1.
سجل فيرماني 50 هدفاً في 100 مباراة ضمن دوري الدرجة الأولى.
في العام 1955، انتقل إلى سمبدوريا الإيطالي مقابل 35 ألف جنيه إسترليني وهو مبلغ قياسي في ذلك الوقت يحصل عليه ناد بريطاني من الخارج.
في ايطاليا، أمضى 8 أعوام شملت مروره أيضاً في انتر ميلان وجنوى مسجلاً 125 هدفاً في 202 مباراة، واختير لتمثيل المنتخب الإيطالي باعتبار أن جده كان إيطالياً فخاض 3 مباريات سجل خلالها هدفين.
وتسبب سوء مستوى المنتخب في تلك الحقبة في حرمانه من الاستمرار في صفوفه.
عاد إلى تشارلتون في 1963، وأحرز بقميصه 32 هدفاً في 55 مباراة ضمن دوري الدرجة الثانية (الأولى حالياً).
في العام 1960، كتب فيرماني مجموعة من السير الذاتية «كرة القدم مع المليونيرات»، والتي تكشف تبايناً مثيراً للاهتمام بين أسلوب حياة لاعبي كرة القدم الإيطاليين ونظرائهم في إنكلترا في عصر الحد الأقصى للأجور.
بعد عامين انتقل إلى ساوثيند يونايتد في الدرجة الثالثة لكنه عاد، بعد موسمين، لقضاء فترة ثالثة مع تشارلتون كانت الأخيرة له في ملاعب انكلترا.
وتقديراً لما قدمه، تم اختياره في العام 2005 كأفضل لاعب دولي في تاريخ النادي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي