«الجوكر والجياكر»

في الفيلم الهوليوودي ذائع الصيت «اللي مكسر شبابيك السينمات كلها»، «جوكر» يتحول البطل من شخص مغبون إلى ناقم على المجتمع، الذي غبنه ثم يتحول إلى الإجرام بطريقة: عليّ وعلى أعدائي!
يتناول الفيلم سلسلة التحولات في شخصيته منذ نشأته في الإطار السيكولوجي، ويخضعه لعلاج مكثف في حين يرسل رسائل ودلالات إلى أن المجتمع أولى بهذا العلاج!
ينقسم المجتمع في كل شيء، لدرجة أن الانقسام يوحده، حول الفيلم، ما علينا، دعوا عنكم الفيلم جانباً، والذي تزامن عرضه مع اليوم العالمي للصحة النفسية، وركزوا معي في النفسية، وكلنا نفسيات، لكن العبارة الأهم التي جاءت في مذكرات البطل التي صحبها معه الى معالجته النفسية، وهو يشخص الداء والدواء، أن مشكلة المريض (أو المضطرب) النفسي في أن المجتمع يتوقع منه أن يتصرف كما لو كان سليماً و(غير مضطرب)، وهذه العبارة تحديداً تطابقت مع تشخيص دقيق لمحاضرة للمعالج النفسي محمد السويدان، قال فيها: إن مطالبة الناس للمصاب بالاكتئاب ألّا يحزن تشبه تماماً مطالبتهم مريض الربو ألّا «يكح»، فالتصرفان خارج نطاق الإرادة!

الخلاصة: وراء كل «جوكر» بشر كثيرون من «الجياكر» تعمل على «مجاكرته»، والتقليل من شأنه هو ونفسيته، لأنهم في واقع الأمر أكثر مرضاً منه، وهو في مرضه يفضح أمراضهم ويتعافى عليهم، رغم ما سبّبوه له، لأنه وضع يده على علته وداواها أما إنكار المرض، فلا يؤدي إلا إلى مزيد من المرض وهذا الحاصل!
مطلع التسعينات - بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي - أنشأ المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح مكتب الإنماء لتحرير نفسية المواطن الكويتي من تبعات الغزو، قمة الرفاهية أن يحصل الشخص على معالج نفسي مجاني في ظل ضغوطات الحياة التي تجعل من المعالج النفسي أهم من طبيب المستوصف، لكن الرفاهية ليست كافية لبناء الوعي، فأفضل الأطباء لا يستطيع علاج مريض لم يراجعه!
ومع تطور العصر مادياً وتراجعه معنوياً، ظهرت عيادات نفسية بأسعار تنافسية، رسومها في حد ذاتها عامل ضغط نفسي، ولكن، «تعرف إيه عن المنطق»؟،
فالذين يدارون أمراضهم النفسية يدخرون أموال علاجها لشراء كماليات تكرس أمراضهم وتفضحها!
المشكلة ليست في جوكر احترف الإجرام لأخذ حقه بيده، لأن القانون لم ينصفه بل المشكلة في الجياكر الذين يهدرون حقوق الناس ويتحصّنون بالقوانين، ولكن عدالة السماء - عاجلاً أم آجلاً - ستنصف الجوكر على الجياكر... وحتى تحين تلك اللحظة ألزم ما على الإنسان نفسيته.